الاغتيال السياسي :تحول في أدبيات جهاديي تونس.. أم اختراق "خارجي"؟ قاتل شكري بلعيد ينتمي الى تيار ديني متشدّد، تصريح رسمي أدلى به علي العريض رئيس الحكومة الحالي ووزير الداخلية السابق في ندوة صحفية أعدّت على عجل لاحتواء الاحتقان الناجم عن عملية اغتيال بلعيد.. لكن الكشف عن هوية القاتل المزعوم لم يشف غليل عائلة الشهيد ولا رفاقه ولا هيئة الدفاع.. كما وأنه فتح الباب للتأويل على مصراعيه هو ما اذا كان القاتل ينتمي الى جماعة أبو عياض أنصار الشريعة- والتي تتبنّى الفكر الجهادي.. أم هو ينتمي فكريا الى تنظيم سلفيّ متشدّد وليس التنظيم السلفيّ الجهادي. التكفير طريق للاغتيال ما تسرّب من معلومات التحقيق يؤكّد أن القاتل المزعوم ينشط أو يترأس خلية (معزولة) تنظيميا عن أنصار الشريعة لكنها تتبنّى الفكر الجهاديّ كمرجع فكري ومنهج دنيوي.. ولكن بقطع النظر عن "انتماء" القاتل تنظيميا، فانه لو ثبت قطعيا تورّطه في عملية الاغتيال فان ذلك يحيلنا مباشرة إلى افتراض تحوّل تدريجي للفكر الجهادي في تونس والذي طالما أكّد شيوخ السلفية الجهادية أن تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد بمعنى رفع السلاح والنيل من "الكفار" وأعداء الدين حسب رأي شيوخ التيار الجهادي في تونس.. والجهاد هو من أبرز أدبيات التيار السلفي الجهادي، والذي اكتسح عددا من الدول منذ الحرب الأفغانية/الروسية، حيث تحوّل التيار صنيعة القوى الغربية إلى تنظيم شرس يؤمن بالجهاد ضدّ الكفار والقوى الاستعمارية، إذ "لا يجوز موالاة الكفار والأنظمة الكافرة ومن فعل ذلك فهو كافر.." وفي الدول الأم تؤمن هذه التنظيمات أيضا بأن الجهاد طريق لإقامة الدولة الإسلامية.. كما يرى أتباع هذا التيار، خاصة في مصر "أن من اشترك في حزب عقائدي غير إسلامي فهو كافر.." والكافر في أدبيات هذا التيار يجوز هدر دمه.. ويذهب التيار الجهادي التكفيري -خاصّة الذي انتشر في بعض الأقطار العربية متأثرا بالأفكار الوهابية التي نشأت في المملكة العربية السعودية وانتشر في باقي الدول العربية- الى منتهى الغلوّ وعدم احترام القوانين المدنية والتشريعات الحديثة، اذ يرى منظّرو وشيوخ الفكر الجهادي في مصر أن "كل القوانين المستلهمة من غير الشريعة الإسلامية في الدولة، هي قوانين كفر، وكل من أعدّها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة فهو كافر، كذلك من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكار لها".. وترى كذلك في تحية العلم طقسا من طقوس الجاهلية وصورة من صور الشرك. عقيدة أم اختراق والتيار الجهادي التكفيري في تونس والذي ظلّ طيلة حكم بن علي من التيارات التي حاول النظام قمعها وحتى اجتثاثها ولكن جهاديي تونس جاهدوا لنشر ما يؤمنون به حتى خارج الحدود وفي جبهات القتال المختلفة.. وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن التواجد التونسي في صلب التنظيمات الجهادية يعود إلى ثمانينات القرن الماضي عندما انخرط البعض منهم في صفوف تنظيم القاعدة الذي كان يحارب الروس في أفغانستان.. حيث "تميّز" الأداء الجهادي التونسي حسبما تشير إليه التقارير إلى أن مقتل القيادي الأفغاني أحمد شاه مسعود كان على يد تونسيين اثنين في سبتمبر سنة 2000، ويذكر أن تنظيم القاعدة قد جنّدهما قصد تنفيذ هذه العملية لصالح حركة طالبان.. وبعد هذه الواقعة بدأ يتم تسليط الضوء على التواجد التونسي في صفوف تنظيم القاعدة حيث تمّ اعتقال 12 تونسيا في أفغانستان وباكستان ونقلهم إلى معتقل غوانتنامو.. بعد الثورة عاد عدد هام من الجهاديين إلى تونس من ساحات الجهاد في الخارج وكشفوا أفكارهم وحاولوا التسويق لها من خلال المساجد والتجمّعات الدعوية ويتزايد انصارهم يوما بعد يوم.. ورغم أحداث الروحية وبئر علي بن خليفة فان المنعرج في نشاط هذه الجماعات كان أحداث السفارة الذي أثار الاستياء في الأوساط السياسية والوطنية والدولية وبعدها اشتدت القبضة الأمنية على نشاط التيار الجهادي وخاصّة من أنصار الشريعة.. لكن اليوم وبعملية اغتيال بلعيد هناك من يرى ان الاغتيالات السياسية دخلت أدبيات التيار إلاّ أن البعض الآخر يرى أن هذا التيار يتعرّض لاختراق كبير على مستوى قواعده خاصّة، إمّا من طرف جماعات اجرامية تتستر باسمه لارتكاب أفعال مشينة أو عن طريق عناصر استخباراتية لتنفيذ أجندات داخلية وخارجية في بلادنا الهشة أمنيا والتي تشهد تحوّلات سياسية كبيرة في منطقة باتت هدفا للعديد من القوى الغربية.
القاتل ينتمي لخلية متشدّدة معزولة تنظيميا هل بدأت الخلايا النائمة.. «تنهض»؟ لم تبرز إلى اليوم معطيات قاطعة وحاسمة حول علاقة منفّذ عملية الاغتيال وتنظيم أنصار الشريعة التيار الجهادي المتشدّد رغم كثرة الاشاعات إلاّ انه يرجّح ان القاتل وحسب معطيات شبه رسمية ينشط ضمن تنظيم صغير يتبنّى الأفكار المتشددة لكنه معزول تنظيميا عن باقي التنظيمات الجهادية.. لكن ظهور مثل هذه التنظيمات قد يحيل الى إشكال أعمق وأخطر وهو ما يعرف بالخلايا النائمة وهي نوع من الجماعات الإسلامية التي يقول عنها الدارسون لهذه الظاهرة أنها "غير محددة الفكر بشكل واضح تنتهج خليطا من الأفكار السلفية والجهادية والتكفيرية.. لكن معظمها لا يعمل بشكل تنظيمي (وهو ما ينطبق مبدئيا على خلية القضقاضي).. ولا يوجد بينها رابط فكرى أو تنظيمي.. وإن كان من السهل تنشيطها ودفعها للعمل المنظم بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم.. سواء من ناحية التمويل أو التدريب.. وهي حسب وصف أعضاء في جماعات سلفية أخطر أنواع التنظيمات.. إذ يمكن استغلال أعضائها بسهولة في تنفيذ عمليات ضدّ أيّة أهداف". وهذا التعريف الذي يجمع عليه تقريبا جلّ الباحثين في المسألة الاسلامية ، أصبح قريبا في تعريفه من جلّ الخلايا "الصغيرة" التي تنشط في تنظيمات صغيرة (لا تتجاوز في مجملها 10 أنفار) خاصّة في بلدان الربيع العربي ومنها تونس.. وخطورة هذه الخلايا تكمن في تقاسمها واستبطانها للفكر المتشدّد والجهادي الجاهز للبروز على السطح في شكل أفعال عنيفة.. وفي انتظار مزيد تجلّي ملامح هذه الخلية التي ينشط فيها القاتل وعلاقاتها بتنظيمات أخرى فانه لا بدّ من الاحتراس من هذه الخلايا التي قد لا ننتبه لوجودها في النسيج الاجتماعي لكنها إذا تحرّكت و"نهضت" فانه سيكون لذلك ثمن.. وقد يكون ثمنا باهظا.
الخطيب الإدريسي السياسيون أشعلوا البلاد.. أوردت الصفحة الرسمية لأحباء زعيم التيار الجهادي الخطيب الادريسي نقلا عن وفد من أتباعه كانوا في زيارة لاطلاعه حسب قولهم على ما يجري في البلاد كالندوة "الصحفية لوزير الداخلية التي وصفوها "بالسخيفة" والاطراف التي استفادت من مقتل الهالك بلعيد والاطراف التي قد تكون الاقرب لاغتياله وغيرها من الأسئلة..". وحسبما ذكره اتباعه فانه شجعهم على مواصلة الدعوة وأنه لن يقدر أحد على إيقافها لأن هذا التيار الدعوي لا ينتمي الى أي حزب أو تنظيم بل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "إنه إذا أشعل السياسيون البلاد فهي ستشتعل على رؤوسهم فقط أما نحن فهمّنا فقط هو إيصال الدعوة الى الناس وليس لنا دخل في سياستهم غير الشرعية، ولن ندخل لعبتهم القذرة..". وأضاف "مهما فعلوا ومهما اتهمونا ومهما حاولوا حشرنا في معتركهم لنكون وقودا لتجاذباتهم، فلن يقدروا لأنهم منذ بداية الثورة يحاولون جَرّنا الى ذلك ونحن ثابتون ولن نزيغ بإذن الله فمسارنا واضح هو دعوي بالاساس فقط علينا بالحكمة، ولنكن على يقين أنه لو قتلونا أو أسرونا جميعا فالدعوة ماضية بنا أو بغيرنا، ولن نبقى لنعيش طويلا بل سيأتي آخرون يكملون المسار".
التحريض.. دعوات القتل وفتوى هدر الدّم "الاغتيال حلال عندهم" غداة اغتيال شكري بلعيد سارع التيار الجهادي إلى التأكيد على أن لا علاقة له بعملية الاغتيال وذلك من خلال تصريحات الناطق الرسمي باسم التيار السلفي الجهادي، ابراهيم التونسي الذي قال فيها أن عملية الاغتيال لا تمت بصلة الى التيار السلفي الجهادي وحمّل المسؤولية للمخابرات الفرنسية وتواطئها مع أطراف سياسية داخلية لادخال البلاد في الفوضى واعادة تنفيذ سيناريو الجزائر في تونس.. ويؤكّد عدد من أنصار التيار أنهم "أكباش فداء" لحكومة تعمل وفق املاءات خارجية. ولئن تداولت العديد من وسائل الاعلام خبر اعتقال الامام الذي أفتى بهدر دم شكري بلعيد، فان رأي عدد من الشيوخ يؤكّد أن الدعوة الى القتل أو التحريض عليه ليس بالضرورة فتوى لاهدار الدم والتي لها شروط فقهية ويتم تبنيها من طرف شيوخ التيار ويعلن عليها رسميا وهي ملزمة، وعندما يتمّ تنفيذها يقع تبنيها من طرف التيار.. وهي ترتكز أساسا على بعد عقائدي.. وقد أكّد لنا أحد أتباع السلفية الجهادية والذي رفض الكشف عن اسمه أن عملية اغتيال شكري بلعيد أقرب الى العمل الاجرامي وليس تنفيذا لفتوى "شرعية".. وأن ما كان يتعرّض له الفقيد هو حملة تحريضية قام بها حتى الحزب الاسلامي الحاكم وأن الدعوة الى قتله لم يتبنّها شيوخ السلفية الجهادية في تونس.