تتمة لما نُشر في عدد يوم أمس حول طبيعة الخلافات و»صراع الكراسي» في أحزاب المعارضة وبعد «الاستماع» الى وجهة نظر «الهياكل الرسمية» لبعض الاحزاب واستشراف رؤيتها حول ما يجري في داخل تنظيماتها السياسية من مظاهر ل «التآكل» و»التمزّق» و»التنافس» الذي فاق في عديد المرّات الحدود المعقولة ليشكّل «ورطة فعلية» تنبئ عن انتظارات متعددة لما قد تؤول اليه الاوضاع في الاشهر القادمة و»تهدد» بصفة ملموسة وحدة بعض الاحزاب السياسية. تستقرئ «الشروق» اليوم زاوية نظر بعض من «الخارجين عن الاطر الرسمية» والطريف في ما سيقرؤه القارئ هو اصرار المحاورين على عدم اعتبار انفسهم هكذا خارجين عن الاجماع بل يعتبرون انفسهم «شرعيين» ومالكين ل «مفاتيح» إنهاء الازمات داخل احزابهم وقادرين من ثم على انهاء كل الصراعات بل ان تسوية الملفات العالقة سواء في اروقة المحاكم أو مكاتب ومقرّات الاحزاب تمرّ عبرهم وبواسطتهم. كما أنهم يرون في أنفسهم أصحاب مبادئ حزبية رفيعة منقطعة تماما على المصالح وصراع المواقع. اعداد: خالد الحداد ** محسن النابلي (الحزب الاجتماعي التحرري): الحزب ليس ملكا شخصيا لرئيس الحزب أشار السيد محسن النابلي المنسّق العام للجنة اصلاح الحزب الاجتماعي التحرري الى أن الرئيس الحالي للحزب السيد منير الباجي يعتبر الحزب ملكية شخصية يتصرّف فيها بحسب مزاجه ودون عودة الى هياكل الحزب الرسمية معتمدا في ذلك على قلّة قليلة من أعضاء المكتب السياسي ويؤكد المتحدث ان الامور قد وصلت الى مأزق حقيقي وصعوبة في التفاهم بعد ما رفض رئيس الحزب الرؤية الاصلاحية ويقول السيد النابلي «تداول على عضوية المكتب السياسي ما لا يقل عن 43 عضوا منهم من انسحب لتفطّنه بعدم جديّة زعيم الحزب ومنهم من استقال بعد اكتشافه لتردّي الاوضاع وحفاظا منهم على ماء الوجه ومنهم من أُطرد أو جمّد بصفة تعسفية ومنهم من همّش او أبعد لغاية في نفس يعقوب...» وأضاف المتحدث: «ان هذه التصرفات شملت اكثر من طرف لاكثر من مرّة حتى أفرزت احصائيا عملية كل ثلاثة اشهر ومكتبا سياسيا جديدا كل سنة ونصف ونكسة فأزمة كبرى كل ثلاث سنوات ونصف...(!). ويضيف المتحدث: «لهذه الاسباب التجأنا الى القضاء لاصلاح الحزب ووضع حد للتجاوزات الخطيرة على اعتبار أن ما يجري هو خرق لقانون الاحزاب والاعراف الموجودة في العمل الحزبي على المستوى الدولي(!)». وأشار المتحدث «كيف يمكن اعتبار الهيكل الذي لا يفرّق انخراطات ولا يوجد له نظام داخلي وله قانون اساسي ضبابي حزبا سياسيا». وقال المتحدث ان سلوكات الحزب واقع في اطار جوامع القربى ومنطق الرعية والحاشية ومقولة «الزعيم والقطيع». وقال: «ان كل ذلك مرفوض استنادا الى كل القواميس والقوانين والاعراف...». وأكّد السيد النابلي انهم سعوا في اطار لجنة الاصلاح للعمل على سدّ الفراغ المفزع الذي يعيشه الحزب وحاولنا القيام بذلك بكل وسائلنا الممكنة ثم التجأنا للقضاء ونأمل أن يأخذ القضاء مجراه بصفة طبيعية في الطور الاستئنافي من أجل ان تُعاد للحزب هيبته وان ينخرط في تحقيق الاضافة الليبرالية المطلوبة منه». ** الطيب المحسني (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين): نرغب في أن نعيد للحركة بريقها الذي خبا أبرز السيد الطيب المحسني المتزعم للشق المنسحب من المؤتمر الاخير لحركة ال ح.د.ش. أن المسألة بالنسبة لهم هي مسألة مبادئ لا مواقع في خلافهم مع «الهياكل الرسمية للحركة». وقال: «نحن قبلنا بأن يكون السيد اسماعيل بولحية هو الامين العام وكان الاتفاق حاصلا على ذلك وعلى اهمية أن يعود للحركة اشعاعها وبريقها وان تعود «لسان الحركة» الى الصدور (صحيفة المستقبل) وأن يتضاعف وجود الحزب على الساحة السياسية في البلاد... لكن الذي حدث ان مؤتمر اميلكار (مارس 2001) جرى دون تقرير أدبي وتقرير مالي وأنجر في غياب الاغلبية بخروج اكثر من نصف المؤتمرين (117 مؤتمرا) يمثلون جامعات كاملة (جندوبة / القصرين / القيروان / قفصة / صفاقس / نابل / بن عروس). ويؤكد السيد المحسني ان ذلك لم يكن نهاية او قطيعة كلية اذ انخرطت مجموعته في خط المصالحة بعد عودة الأمين العام السابق السيد محمد مواعدة رغبة في مواصلة العمل خدمة للبلاد على اعتبار أن ذلك لا يتم في ظل وجود حركة غير متماسكة ويضيف: «وقناعتنا تلك مبنية على ما لاحظناه في واقع احزاب اخرى شاهدناها تتآكل من الداخل وهو ما لا نرضاه لحركتنا...». وعن موقعهم الحالي يقول السيد المحسني: «نحن مجموعة ذات تأثير والسؤال الان هو كيف يمكن لها أن تشارك في الاعداد للمؤتمر التوحيدي القادم وأن لا تكتفي بدور المتفرّج اذ أننا نؤمن بلمّ الشمل ونرفض الاقصاء...»، ونفى المتحدث الرأي القائل بأن اطرافا خارجية تقف خلف ما يحدث من صراعات داخل الاحزاب السياسية. وقال: «غير صحيح، ثم اذا كانت الاحزاب قوية ومتماسكة فهي من ثم لا تترك الفرصة لأي كان وان كانت السلطة في التدخل والتأثير على سيرها الطبيعي...». ويضيف «إذا كانت هناك مبادئ وضوابط واضحة ومحترمة فالباب سيكون مقفلا امام كل تلك الاحتمالات او التخمينات. ويرى المتحدث ان الحل الان في «صراع ال ح.د.ش.» هو ان يترك الباب مفتوحا لوجود حزب ديمقراطي يطبق الديمقراطية داخله ويترك للقواعد حرية الاختيار بصفة طبيعية. ويقول: «المطلوب من السيد بولحية ان يواصل عمله في التحضير لعقد المؤتمر بحضور كل الاطراف و»الخصوم» حتى يمكن اعادة البريق للحركة». هذا البريق الذي قال عنه المتحدث انه فُقد وتناقص وخبا. وعن منزلته الحزبية قال السيد المحسني: «الوضعية الحالية غير مريحة... ونحن نعتبر انفسنا حركة موازية لكن بعيدة عن الاطر والهياكل الرسمية وتساءل هل يُعقل ان يكون حزب يرغب في المشاركة في المواعيد الانتخابية القادمة وهو بهذه الوضعية؟! وأكّد السيد المحسني أنه لا يشعر بالذنب لانه على مبدإ وقال: «علينا ان نترك الكلمة الفصل للقواعد والحركة ستكون منقوصة اذا لم تعد كل الاطراف للتحضير لعقد المؤتمر التوحيدي القادم. ** فيصل الزمني (الاتحاد الديمقراطي الوحدوي): لم نغادر الحركة، وهدفنا العمل الجاد لا المزايدات يقول السيد فيصل الزمني: «لقد انطلقت الحركة التصحيحية بالوحدوي الديمقراطي منذ جانفي 2002 عندما رفضت مجموعتنا تجاوز النظام الداخلي للحزب والقفز على القواعد وتوظيف العمل الحزبي لاجل خدمة مصالح بعض الافراد وتغييب الاهداف الاساسية للمعارضة ألا وهي طرح البديل والنقد البنّاء، ثم ما لبثت الحركة أن سمّيت بالوحدويين الاحرار وجعلت طلباتها واضحة وأوّلها المطلب الديمقراطي». وأشار الاستاذ الزمني الى أن «مجموعة الوحدويين الاحرار» تعتبر نفسها دوما جزءا لا يتجزأ من الاتحاد الديمقواطي الوحدوي وقال: «نحن لم نغادره مطلقا إذ أن الخروج من الحزب لا يمكن ان يحدث الا بالاستقالة او بقرار طرد صادر عن المؤتمر وهو ما لم يحصل في حقنا». وأضاف المتحدث: «نحن نطالب بالاصلاح من داخل الحزب وان قيامنا من أجل تسميته حارس قضائي هو نتيجة استقرار الفوضى داخل الحزب وتهميشه بما جعله مهدّدا بالضياع والتلاشي خاصة في ظل انتهاء جميع الولايات القانونية وانعدام صلوحية جميع الصفات فانه يستحيل عقد المؤتمر الا بتنصيب الحراسة القضائية ونحن نطالب القواعد بأن تتولى هي اختيار الحارس القضائي ليتولى الاعداد المادي لعقد المؤتمر وانقاذ الحزب من الضياع...».وسجّل المتحدث اسفله عما نتج عن الركض وراء الزعامات وتغليب المصالح الذاتية عن المصلحة العليا للحزب وللمعارضة وأشار الى أن مجموعته تدعو الى الالتقاء وليس الى الفرقة والى العمل الجاد وليس الى المزايدات من اجل احترام الحزب والمعارضة التي ينتمي اليها. ** محمد السيد بن عائشة (حزب الوحدة الشعبية): أحزاب المعارضة حاليا لا تصلح ان تكون ديكورا للتزيين(!) يرى النائب في البرلمان وعضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية (سابقا) السيد محمد السيد بن عائشة ان اغلب الاحزاب المعارضة المعترف بها قد نشأت نشأة غير طبيعية وتشكلت بتركيبة جينية تحمل «فيروس مرضي» أفرز بصفة آلية اهتمامات وتوجهات مرضية وصراعا ويضيف: «الاحزاب بما فيها حزب الوحدة الشعبية تأسست في اطار تناقض بين غياب الثقافة السياسية الضرورية وضعف الوعي السياسي وهما نقيضتان لا يمكن دونهما انجاز اي عمل سياسي ناجع وجدي. ويؤكد السيد محمد السيد أن الصراعات والخلافات داخل احزاب المعارضة هي في مستوى اهتمامات النشأة الهزيلة وقال: «أحزاب غاب عنها ايجاد استراتيجيات وخطط عمل وجدية والتزام بأخلاق العمل السياسي وانعدمت فيها مواصفات النضال السياسي الحقيقي كان لابد ان تتحول الى ساحة لصراعات بين الاشخاص بعد ان غاب عن القيادات والكوادر الاساسي والأهم. ويقول السيد بن عائشة «كنت من المساهمين في تأسيس الحزب وكنت شاهدا على تلك «النشأة الهجينة» لكن بقيت مندفعا كأي رجل سياسة على أمل ان يتم الاصلاح وعشت لسنوات طويلة احمل طموحات وأسعى الى التغيير... لكن توضّح لي بعد ذلك كلّه أن الخندق الذي وقعت فيه كان ملوّنا الى درجة استعصى اصلاحه عن أي طاقة نضالية او تضحية خاصة بعد أن سقطت الاغلبية في الخطإ». وأضاف المتحدث: «عبّرت منذ سنة 1982 على ضرورة ايجاد استراتيجية واضحة وانجزت عدّة مبادرات لضمان حقّنا الطبيعي في الوصول الى السلطة بصفة مرحلية وكنت أرى أن وجود أي حزب سياسي ونجاحه مرتبط بالضرورة بالتخلي عن المطلبية والانكباب على دراسة الواقع وطبيعة الحزب الحاكم وفهم الممكن انجازه انطلاقا من العمل على استثمار الامكانيات البسيطة والاقتراب من الواقع المعيش والارتباط بضرورات المجتمع في كل مستوياته ورصد أولوياته في المسائل التربوية والاقتصادية والثقافية والسياسية...». واستغرب المتحدّث من غياب البديل عن جل احزاب المعارضة (بما فيها حزب الوحدة الشعبية) وتساءل: «اذا لم يكن الحزب يمتلك بديلا ونظرة اصلاحية شاملة لتونس ومجتمعها بماذا هو ا ذن معارض؟». وأتى السيد بن عائشة على نقد جزء من التقاليد الموجودة في تسيير العمل السياسي يقول: «الامين العام كان صاحب السلطات الواسعة والسلطة لم تكن تتعامل الا معه هو وهو عادة ما يكون مجبرا على العمل وفق حاجياتها ومطالبها.وأشار المتحدّث الى أنه خيّر بعد استفحال الاوضاع داخل حركته ان يحسم في المسألة بصفة جذرية في وجوده داخل هيكل لا يقوم بدوره على الوجه المطلوب وهو الأمر الذي اغضب قيادة الحركة التي عقدت مجلسا مركزيا انتهى الى بقاء السيد محمد بوشيحة في الامانة العامة وانسحاب محدّثنا بعد تصويت (/). وألمح السيد بن عائشة الى أن احزاب المعارضة الحالية وهي في وضعيتها الراهنة لا تصلح حتى ان تكون ديكورا للتزيين وقال: «انا انخرطت في العمل السياسي للاضافة والعمل الجدّي وقد رفضت البقاء في محيط متخلّف وانسحبت تطبيقا لمقولة: «عاش من عرف قدره» ورفضا للتواجد ضمن هيكل لا يمكن ان يكون حزبا سياسيا. ويرى المتحدث ان مواصلة تزييف طبيعة الاحزاب وأدائها هو انخراط في خيانة الامانة التي تحمّلتها هذه الاطراف من الناس الذين يمثلونهم. وقال انه برغم مما انطبع في نفسه من احساس بالالم فانه لا يقطع الامل وهو ينتظر الفرصة الملائمة للعمل وفق المبادئ التي تربّى عليها.