سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
على هامش التعداد العام للسكان: مختص في القانون الاجتماعي ل «الشروق»: القيمة المالية لمنحة الأطفال تآكلت، ومعدل الأطفال في الأسرة التونسية سيصل الى 1.5 فقط
يمثل التعداد العام للسكان حدثا وطنيا هاما في كل الدول لما يوفّره من معطيات دقيقة عن السكان ليس فقط من حيث التطوّر الديمغرافي بل وكذلك من حيث وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يمكّن هذه الدول من التأسيس لبرامجها الطويلة المدى والمتوسطة. «الشروق» التقت الدكتور حافظ العموري الاستاذ المحاضر بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية المختص في القانون الاجتماعي وبحثت معه «الحدث الوطني» من جانبه الاجتماعي وبالتحديد في علاقته بالضمان الاجتماعي على خلفية العلاقة الوثيقة بين الضمان الاجتماعي والديمغرافيا السكانية. أجرى الحوار: خالد الحداد يرى الدكتور العموري ان العلاقة بين التطوّر الديمغرافي والضمان الاجتماعي علاقة جدلية حيث يوجد تأثير متبادل فالتحولات الديمغرافية لها شديد الأثر على الضمان الاجتماعي فالدراسات الاكتوارية ترتكز على المعلومات التي يوفرها التعداد السكاني خاصة في ما يتعلق بتطوّر نسبة المسنين ونسبة النشيطين ونسبة الولادات.. كما ان الضمان الاجتماعي يؤثر في التحوّلات الديمغرافية وخاصة عند توظيف المنافع العائلية او جرايات ومنح التقاعد. *أستاذ، هل تعتقد ان تحديد المنافع العائلية على أساس 3 أطفال فقط قد ساهم في سياسة التحكم في النمو السكاني التي انتهجتها تونس منذ الستينات؟ لا يمكن الجزم بذلك، ففرنسا مثلا حاولت توظيف المنافع العائلية للرفع من نسبة الولادات عبر الترفيع في مبالغ هذه المنافع لكنها لم تنجح في ذلك. وأعتقد ان التقليص في عدد الاطفال المنتفعين بهذه المنافع في تونس من 4 الى 3 بداية من سنة 1989 يدخل في منظومة كاملة للسياسة الاجتماعية والديمغرافية ولكن تأثيره بقي محدودا جدا ان لم يكن منعدما بحكم تآكل القيمة المالية لهذه المنافع. *ماهي اذن حسب رأيكم العوامل المحددة لتطوّر نسبة الولادات وما تأثير ذلك على مستقبل الضمان الاجتماعي؟ للتذكير عدد السكان في تونس كان 4 ملايين و600 الف سنة 1966 ثم اصبح حوالي 9 ملايين و900 الف سنة 1999 (حسب دراسة حول السكان والتشغيل) ومن المتوقع ان يبلغ 11 مليونا و700 الف سنة 2029 . وأعتقد ان النسبة الحالية للتطوّر الديمغرافي قد تفسّر بنجاعة التنظيم العائلي من حيث التوعية بالاضافة الى عمل المرأة وتأخر سن الزواج ففي سنة 1966 كانت الفتاة تتزوّج في سن 19 سنة و5 أشهر والرجل في سن 26 سنة و3 أشهر بينما في سن 2001 تأخر سن زواج الفتاة الى 26 سنة ونصف وسن زواج الشاب الى 32 سنة و3 أشهر بالاضافة الى ارتفاع نسبة العزوبية عند الفتيات من 1.5 الى 3.8 بين سنتيْ 1966 و1999 لمن سنّهم بين 45 و49 سنة، وذلك بحكم تطوّر مستوى المعيشة وسياسة التعليم وغيرها من العوامل. كما ان نسبة الوفيات قد انخفضت بشكل ملحوظ بفضل السياسة الصحية فوفيات الاطفال انخفضت من 200 في الألف سنة 1956 الى 22.8 في الألف سنة 2001 ونسبة الوفيات العامة انخفضت من 15 في الألف سنة 1966 الى 5.6 في الألف حاليا وهي نسب نجدها في البلدان المتقدمة وهو ما يفسّر وصول نسبة التطور السكاني الى حدود 11.4 في الألف سنة 2001 . *لكن ما تأثير ذلك على مستقبل الضمان الاجتماعي؟ كما هو معروف الاطفال يمثلون الفئة التي تستهلك الدواء والخدمات الصحية اكثر من غيرها وهو ما يؤثر سلبا على الموازنات المالية للضمان الاجتماعي باعتبار ان التغطية الاجتماعية اصبحت معممة على كل الاجراء وغير الاجراء وبالتالي فإن تقلص نسبة الولادات يخفف من الأعباء المالية للضمان الاجتماعي المنجرّة عن المصاريف الصحية، هذا اضافة الى تخفيف الاعباء المالية عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المنجرّة عن المنافع العائلية اذ ان معدل عدد الاطفال في العائلة انخفض من 7 أطفال سنة 1966 الى اكثر بقليل من طفلين (2.05) حاليا ومن المتوقع ان يصل الى 1.5 سنة 2029 . *على المدى الطويل، ألا يؤثر هذا التقلص في نسبة التطوّر السكاني سلبا على الموازنات المالية للضمان الاجتماعي؟ نعم قد يكون هذا صحيحا لأن هذا النسق من التطور السكاني مقارنة مع عدد من البلدان الاخرى بطيء وهو اختيار مجتمعي انخرطت فيه تونس منذ الاستقلال وبالتالي سنصل في المدى الطويل الى ما وصلت اليه اوروبا الغربية الآن من تهرّم سكاني وهو ما ينعكس سلبا على تمويل الضمان الاجتماعي باعتبار ان عدد المسنين سيرتفع بنسق اسرع. *نلاحظ ان عدد المسنين في تونس بدأ من الآن في الارتفاع فما تأثير ذلك على مستقبل الضمان الاجتماعي؟ فعلا نسبة الذين بلغوا الستين سنة فما فوق بلغت حاليا 9 وهي نسبة لا تبعث على الانشغال لكنها ستتضاعف في ظرف 30 سنة وهي فترة ديمغرافيا قصيرة حيث ستبلغ هذه النسبة 17.7 اي حوالي مليونين و87 ألفا و100 مسنّ وهذا ليس خاصا بتونس بل هو امر مطروح في كل البلدان النامية حيث ان عدد المسنين سيتضاعف حسب دراسات الأممالمتحدة سنة 2025 في كل من آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.. وكما تعرفون فإن المسنين مثل الاطفال او اكثر من حيث استهلاك الأدوية والخدمات الصحية وهو ما من شأنه ان يثقل كاهل الضمان الاجتماعي خاصة بعد ان يتم اصلاح نظام التأمين على المرض. *لكن ارتفاع نسبة المسنين على هذا النسق يعود كذلك الى تطوّر السياسة الصحية؟ نعم، تطوّر السياسة الصحية ومارافقها من تقدّم في العلوم الطبية ادى الى ارتفاع مؤمل الحياة عند الولادة الذي تجاوز حاليا 73 سنة ومن المتوقع ان يبلغ 74.5 بالنسبة للرجال و79.5 بالنسبة للنساء في حدود سنة 2029 . *نظام التقاعد التونسي قائم على التكافل بين الاجيال (ما يسمى بالنظام التوزيعي) فالى اي مدى سيؤثر ارتفاع عدد المسنين على مستقبل هذا النظام؟ النظام التونسي للتقاعد نظام تكافلي ليس فقط بين افراد الجيل الواحد بل بين اجيال متعاقبة حيث اننا الآن نساهم في التمويل حتى يتمكن من هو الآن في التقاعد من الحصول على جرايته وعندما نُحال بدورنا على التقاعد سنتحصل على جراياتنا بفضل من يأتي بعدنا من الاجيال النشيطة، ونقطة الضعف الرئيسية في هذا النظام انه شديد التأثر بالتحوّلات الديمغرافية اذ انه مؤسس على المؤشر الديمغرافي (اي عدد النشطين على عدد المنتفعين بجراية). وتراجع هذا المؤشر بشكل يبعث عن الانشغال فبعدما كان 6.2 افراد يساهمون في تمويل الضمان الاجتماعي لكل منتفع بجراية سنة 1987 اصبح 4.7 فقط سنة 2002 والمشكل ان هذا المؤشر سائر نحو الانخفاض اذ سيصل الى 3.6 سنة 2012 . صحيح ان الهيكلة السكانية هامة ومؤثرة جدا في مستقبل انظمة الضمان الاجتماعي لكنها ليست الوحيدة فلو قابل تطوّر عدد المسنين تطوّر بنسق اعلى في عدد النشطين الممولين للضمان الاجتماعي لما تراجع المؤشر الديمغرافي فالوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على الاقتصاد التونسي له دور كبير ايضا وهذا ليس خاصا بتونس فقط. *ماهي الحلول اذن لتجنب عجز أنظمة التقاعد على المدى المتوسط والطويل؟ حسب الدراسات الأكتوارية المعتمدة على النسب الديمغرافية الحالية وتطوّرها المستقبلي الذي ذكرناه وعلى استقرار نسبة البطالة الحالية (15.5) فإن المحافظة على موازنات انظمة التقاعد تتطلب الترفيع في نسب المساهمات بالنسبة لنظام التقاعد للأجراء غير الفلاحيين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 12.5 حاليا الى 14 سنة 2015 و31.3 سنة 2030 وبالنسبة للنظام العام للتقاعد بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية من 16.7 حاليا الى 31.7 سنة 2015 و58.3 سنة 2030 . ولكن هذه النسب لا يمكن تحمّلها لا من طرف المضمونين الاجتماعيين ولا من طرف المؤسسات الاقتصادية وذلك هو الإشكال ولذلك يتعين البحث عن حلول أخرى تتطلب مراجعة نظام التقاعد واصلاحه لتجنب الترفيع في نسب المساهمات في تمويل الضمان الاجتماعي بصفة مشطة ومضرة بالقدرة الشرائية للأجراء وبالقدرة التنافسية للمؤسسات والحلول حسب رأيي يمكن ان تكون: الضغط على نسبة المحالين على التقاعد المبكّر خاصة في القطاع العام. السماح لمن يريد تمديد فترة العمل والحصول على جراية التقاعد بعد السن القانوني مع احتساب هذه الفترة الاضافية عند تصفية الجراية دون تجاوز السقف المحدد. تحسين مردودية استثمار اموال الضمان الاجتماعي وتوسيع مجال تنمية هذه الاحتياطات المالية لتتعدى القروض والادخار والرقاع الى استثمارات اقتصادية انجع. التفكير في تركيز نظام تقاعدي قاعدي موحّد ونظام تكميلي اجباري.