القاهرة خاص للشروق : مصطفى بكري واحد من الكتاب القوميين المشهود لهم في مصر، ورغم شعبيته في أوساط الرأي العام العربي إلا أنه يظل شخصية خلافية بين المثقفين والكتاب وخاصة داخل مصر، وبنفس القدر الذي حظي فيه باعجاب ومساندة كثيرين فقد كالت له العديد من الأقلام المصرية الانتقادات واعتبرته أحد أصوات النظام العراقي السابق وزاد البعض واتهمه بأنه «قبض ثمن» صمته عن تجاوزات نظام حكم صدام حسين وكان المبرر الرئيسي لانصافه هو اشتراكه في نفس المواقف مع التيارين الناصري والقومي داخل مصر والوطن العربي كله. كما أن له مواقف أثار فيها الكثير من القضايا الداخلية الملحة ضد الفساد والدفاع عن مصالح المواطن العادي البسيط وحقه في الحياة الكريمة كجزء من حقوق المواطنة، ومع ذلك فكثيرا ما تغامزت الأعين عليه باعتباره لا يفجر القضايا إلا بعد الحصول على الضوء الأخضر من السلطات، بل وذهب البعض الى أنه من المعارضة «المستأنسة» التي ترعى وتكبر في أحضان النظام. كل هذه الملفات الخلافية والأسئلة والاتهامات واجهته بها «الشروق» في مواجهة ساخنة وأسئلة مباشرة طرحناها عليه وتقبلها بصدر رحب وأجاب عليها مدافعا عن أفكاره ومواقفه... ونعترف... فقد كانت اجاباته مليئة بالثقة لدرجة أنه قال لنا : «ستكشف الأيام مدى مصداقيتي»... مشيرا الى أن أحد ما يحذر منه وسيظهر مع الأيام انشاء الأمريكيين لدولة اسرائيلية في شمال العراق. وفيما يلي نص المواجهة : * دعنا نبدأ بالتصورات الأخيرة في المسألة الفلسطينية... كيف تنظرون الى التدخل المصري بشأن خطة الانسحاب من غزة والمبادرة التي طرحتها وحظت بقبول السلطة الفلسطينية؟ أتمنى أن لا تتدخل مصر بأي شكل لفرض أجندة بعينها على الفلسطينيين ولا سيما ما يتعلق بمسألة الحدود السياسية والأمنية الخاصة بالرئيس ياسر عرفات أو بتجريد بعض القوى والفصائل الفلسطينية من أسلحتها، ومثل هذا الدور مرفوض سواء على المستوى السياسي أو الشعبي في فلسطين، وذلك ناهيك من أن مثل ذلك التدخل قد يمس الأمن المصري في الصميم ولا يجب أن نتغافل هنا عن الحكومة الاسرائيلية نفسها لا ترغب بأي شكل في تحقيق الاستقرار في المنطقة وتسعى بكل تأكيد من خلال التواجد المصري الى «جر» قدم مصر الى المشاكل. * ولكن كيف تنظر في المقابل الى نظرة اسرائيل الى التدخل المصري؟ بصفة عامة هناك اعتراض على دور مصر وخاصة في الصحافة الاسرائيلية وذلك على أساس أن هذا الدور سيكون لصالح الفلسطينيين وضد أمن اسرائيل على حد قولهم ولكن مخطط شارون كما نعلم أحادي الجانب ويريد بأي شكل أن يحققه على أرض الواقع لتحقيق أهدافه ولو كانت على المدى البعيد ودعك من خلافاته مع حزب «اسرائيل بيتنا» فليس سوى عراقيل في طريقه يمكنه التغلب عليها! * وماذا عن الغائب الحاضر بقوة دائما في صناعة القرار الأمريكي ونعني به اللوبي الصهيوني في دوائر صنع القرار الأمريكي سواء في الكونغرس أو الادارة... والى أي مدى ترى تأثيره في صناعة القرارات الكبرى الخاصة بالعرب والمنطقة؟ المراقب للصراعات داخل الكونغرس وفي مسألة مثل قرار الحرب ضد العراق على سبيل المثال يكتشف الى أي مدى تؤثر التوجهات الصهيونية على القرار الأمريكي ويعبر عن ذلك أحد أعضاء الكونغرس «بوكنان» الذي وصف زملاءه المدافعين عن قرار الحرب بأنهم اسرائيليون أكثر من الاسرائيليين أنفسهم، كما انتقد عضو آخر للنفقات التي يتم دفعها للحركات المعارضة لصدام ويدعو بسخرية الى اضافتها رسميا في بنود الموازنة الأمريكية، وهؤلاء من الأعضاء الواعين بالمصالح الأمريكية ولكننا نجد على النقيض كيف نجح ستيف براين وهو من أشد المعارضين للمصالح العربية في اقناع الكونغرس بحتمية الحرب وتوافقها مع المصالح الأمريكية. * بمناسبة تطرقكم الى القضية العراقية... كيف تنظرون الى تشكيل الحكومة الإنتقالية في العراق ومدى قدرتها على تحقيق السيادة أو العمل على تحقيقها وصولا الى الحكومة الوطنية المنتخبة؟ هذه الحكومة تم تشكيلها بهدف اضفاء الغطاء الشرعي للتواجد الأمريكي في العراق وتفادي واشنطن انتقاد مجلس الأمن لها في عملية تمرير قرار منه وذلك على أساس أن الحكومة التي تمثل الشعب العراقي تطالب ببقاء قوات الاحتلال، وذلك ما ظهر في أول تصريحات رئيس وزراء هذه الحكومة الذي وصف خروج الجيش الأمريكي من العراق بأنه يمثل كارثة حقيقية، وذلك في حين يؤكد الواقع أن الشعب العراقي لم يختر هذه الحكومة وانما شكلها «بريمر» الحاكم المدني الأمريكي للعراق أما صوت الشعب العراقي الحقيقي فنسمعه في صوت أعمال المقاومة التي لم تتوقف حتى الآن، وإن خفت التغطيات الاعلامية لها وهذا بقصد أمريكي. ولا تنسى أن رئيس هذه الحكومة معروف بأنه أحد المتعاملين مع المخابرات الأمريكية، وباقي شخصياتها ليس لهم أي تاريخ في النضال الوطني العراقي، وهو ما يعزز القول بأن اختيارهم كان على أساس ترشيحات أمريكية ويعززه أيضا تلك التصريحات التي خرجت من أعضاء الادارة الأمريكية وآخرهم كولن باول الذي قال إنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتم اعطاء حق الفيتو ضد أي عملية عسكرية لقوات الاحتلال الى الحكومة العراقية وبذلك وعلى أي أساس ستتحقق السيادة... وماذا لو رغب أي عضو فيها في أن يعترض على أي خطوة عسكرية أمريكية... هل سيتم اغتياله أم اعتقاله؟ اذن فهو كيان هزيل ولا يمثل سوى الجناح السياسي للاحتلال ولكن في صورة «حكومة». * في كتابك الأخير «العراق» المؤامرة... ذكرتم تعليقات على لسان الساسة الأمريكيين حول الخطوة الأمريكية القادمة في المنطقة بعد العراق ومنها تعليق «كوهين» : «أفغانستان خطوة مؤقتة والعراق خطوة مستقرة وإيران خطوة استراتيجية وسوريا خطوة ضرورية بعدها نستولي على المنطقة»... الى أي حد ترى أن هذه التعليقات تتوافق مع التحركات الأمريكية على أرض الواقع؟ ليس «كوهين» فقط... ولقد سمعنا أخيرا تعليق جيمس ويلس عضو الحزب الديمقراطي الأسبق في محاضرة له في أكسفورد يقول فيها إن العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف استراتيجي ومصر هي الجائزة الكبرى، وكذلك تصريح باول بأن سقوط صدام بداية المخطط الأمريكي لتفكيك المنطقة، وتتحرك أمريكا حاليا في ذلك الاتجاه سواء بشكل مباشر من خلال فرض العقوبات على سوريا أو بشكل غير مباشر وهو ما يظهر من استغلال حالة عدم الاستقرار في السعودية، وأعتقد أن «بن لادن» ليس المسؤول بمفرده عنها وذلك لأن أمريكا تلعب بأصابع خفية من ورائها، وستتوالى الخطوات متسارعة لمهاجمة الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وأرى أن المقاومة العراقية هي التي أخرت الهجوم الأمريكي الجديد على دول أخرى في المنطقة، ولولا تصاعدها لرأينا عواصم عربية أخرى تحت الهجوم الآن. * وكيف تنظرون إذن في ظل الاطار الى المشروع الأمريكي الاصلاحي في المنطقة؟ الحقيقة أن الأمريكيين لا يرون أي شكل للاصلاح سوى على الطريق الأمريكية بغض النظر عن اختلافه مع أفكار مواطني المنطقة أو تشابهه معهم، وأي مواطن عربي إما «متحضر» لأنه يوافق على طرحهم أو «متخلف» لأنه يرفضها، ولا ينظر المفكرون الأمريكيون الى ابعاد الشخصية العربية وكيف أن توالي الاستعمار الى المنطقة هو السبب في انتشار الديكتاتورية وبعض أشكال التخلف، وجاؤوا الآن بعد المعاناة التي عاشها الإنسان العربي الذي لم تسنح له الفرصة لاقامة نظام متحضر يتوافق مع هويته ويضعوه أمام اختيارين إما أن يقبل الهوية الأمريكية أو يدخل معتقل «أبو غريب»؟! * سبق لكم وتعرضتم لشخصية بوش والتحول الذي طرأ عليها من مدمن للخمور الى متطرف ديني... هل ترى أن شخصيته تمثل الوجه الآخر لحملة التطرف الإسلامي الذي يدعي أنه يحاربه حاليا؟ نعم، إن شخصية بوش تمثل الشخصية المتطرفة بغض النظر عن الفارق بين المتطرف الإسلامي والمتطرف الصهيوني الذي يبلغ عددهم من أنصار الصهيونية المسيحية بنحو 70 مليون شخص يمارسون تطرفهم ضدنا، وقد ظهرت نوايا بوش في أول فترة حكمه عندما تحدث عن الحرب الصليبية في احدى خطبه، وكحجج بأنها «زلة لسان» ولكنها كانت الحقيقة لأنها تمثل توجهات المحافظين الجدد والتي تم بلورتها في مشروع القرن الأمريكي، وهدفها سحب أمريكا لخدمة المشروع الإلهي الإسرائيلي وتحويل التوجهات الأمريكية لخدمة التحالف الصهيوني المسيحي، وبالتالي كانت شخصية بوش المتطرفة دينيا هي أنسب شخصية لتمثيل ذلك التوجه ويتعاطف معها أصحاب الهوس الديني في أمريكا. * ولكن شعبيته في انخفاض مستمر حاليا؟ انخفضت شعبيته لأنه فشل في تنفيذ المخطط وتسبب لأمريكا في خسائر تقدر بنحو 500 مليار دولار وضحايا من الجنود في العراق وأفغانستان، ومن هنا فإن التراجع في شعبيته سببه عدم نجاحه في تنفيذ المخطط وليس انحسار التطرف الديني في أمريكا ضد المسلمين كما قد يظن البعض، والدليل على ذلك انجذاب قطاع واسع لمنافسه في الرئاسة الديمقراطي جون كيري الذي لا يقل تطرفا عن بوش. * قبل أن ننتقل إلى سؤال آخر... نريد أن نتقصى حقيقة الحملات الصحفية التي قمتهم بها من خلال جريدة «الأسبوع» التي ترأسون تحريرها ضد الاتجاهات الأمريكية في بعض الصحف المصرية وما تردد بشأن تخصيص أمريكا نحو 29 مليون دولار لدعم حرية الصحافة العربية... ما هي أبعاد ذلك المخطط؟ بالفعل بدأت أمريكا في تنفيذ ذلك المخطط، وبدأت في ارسال الأموال لعدد من الصحافيين وتقديم المنح لبعضهم، وكل ذلك يمثل أشكالا غير مباشرة للدفاع عن السياسة الأمريكية في المنطقة وأمركة العربي. * ولكن هناك اتهاما مماثلا يوجه اليك بأنكم كنتم من الصفوة التي جندها صدام حسين الرئيس العراقي السابق للدفاع عن سياسته في الأوساط المصرية؟ أنا لم أقف بجوار الحكومة العراقية بقدر وقوفي الى جانب الشعب العراقي، ولم أكتب كلمة في زمن صدام أي كلمة عن العراق، وبدأت الكتابة بعد سقوطه لمهاجمة السياسة الأمريكية التي تستغل الديكتاتورية كذريعة لاغتيال العالم العربي كله، وأقول لك إنه كان لصدام حسين الكثير من الايجابيات التي جعلته يستحق أن أدافع عنه حتى اللحظة الأخيرة فهو لم يستسلم لأمريكا ولم يقبل التطبيع مع اسرائيل، وأرى أن الشعب العراقي يتوافق معي في ذلك، وذلك لأنه على الرغم من سلبيات حكمه إلا أن الشعب العراقي لم مهاجمه كسلطة كما يهاجم حاليا الاحتلال الأمريكية وأتساءل هنا : لماذا لم نسمع عيارا «ناريا» واحدا في عهد صدام؟ وأنا شخصيا راض عن كتابتي عنه وأرى أن سقوطي لم يفقدني المصداقية على خلفية أن حديثي عن النوايا الأمريكية لتكشف صدقه الآن يوما بعد آخر وسنرى في المستقبل كيف ستعمل أمريكا على انشاء دولة اسرائيلية في شمالي العراق! * وبماذا إذن تفسر أنك واحد من قلائل كانوا أصحاب الموقف المؤيد لصدام في الساحة المصرية العربية؟ الواقع أن هناك حلفا أمريكيا في الساحة الفكرية العربية ظل طوال فترة الحرب يسعى لتشويه كل ما يتعلق بالحكومة العراقية لخدمة الهدف الأمريكي... وعلى هذا الأساس هل أنا مذنب لأني لا أكتب إلا للمصلحة العربية... أليس صدام أفضل من الاحتلال الأمريكي الحالي؟! * وما هي الورقة التي تراهن عليها حاليا؟ المقاومة العراقية هي الورقة الوحيدة... وأرى أنها الرابحة أيضا التي ستسقط الاحتلال الأمريكي في المستقبل إن شاء الله... وسيسقط كل العملاء والمنافقين الذين «سلموا» للأمريكيين ومصالحهم. ان آجلا أو عاجلا... وأولهم «الجلبي» والبقية تأتي. * بصراحة... كيف تقيم التجربة الحزبية المصرية؟ الأحزاب بالفعل تجربة هزلية... مجرد ديكور.. لها مقرات في وسط العاصمة... نوابها اثنان.... ثلاثة... أربعة في مجلس الشعب ولكنها لا تستطيع أن تتغلغل في البرلمان ولا تصل الى الشارع المصري... والحزب المصري الوحيد المحتكر للحياة السياسية هو الحزب الوطني. * وبصراحة أكثر... ما هي طبيعة علاقتك كصحفي بالسلطة والحكومة في مصر؟ عندما تكون رئيسا لتحرير صحيفة فستكون بالطبع مضطرا الى أن تتصل بوزير الاعلام وحضور خطب الرئيس وهذه هي علاقتي بالسلطة وأرى أنها الشكل المناسب للعلاقة بين أي رئيس تحرير معها دون سيطرة لطرف على الآخر، وأنا أتمنى أن تتدخل الدولة لتوجيه الصحف المعارضة والمستقلة فنحن نواجه خطرا أمريكيا صهيونيا ونحتاج الى التنسيق بين الحكومة والمعارضة لتشكيل حكومة انقاذ وطني ومن ثم تتوحد الصحف القومية مع المعارضة لمواجهة ذلك الخطر، ولكن وللأسف فإن كافة أشكال الانقاذ والتنسيق ضعيفة، وسبق وشاركنا من قبل في حوار وطني مع الحكومة ولم نخرج بنتيجة. * ولكن هناك من يتهمك بأنك شديد الجرأة في مهاجمة بعض الأسماء... ومع البعض الآخر تتحول إلى رسمي حتى النخاع... كيف ترد؟ نحن ننتقد سياسات وليس الأشخاص بما في ذلك وزير الإعلام الذي ننتقد سياساته في التلفزة وكذلك رئيس الوزراء في تخطيطه للسياسات العامة وكذلك نائب رئيس الوزراء في سياسته الزراعية لأننا نمتلك وثائق تجعلنا نقوم بانتقاده والهجوم عليه وأدعو كل من يتهموني بأنني لا أنتقد شخصيات بعينها أن يأتوني بوثائق ضدهم وسأنشرها فورا.