بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي أجمل ما في مدينة كركوك أنها مدينة تمثل العراق المصغر بكل أطيافه، وكانت هذه المدينة منذ اكتشاف النفط فيها (ذكر أنها تحوي على أربعين بالمائة من نفط العراق) مدينة تعجّ بالحياة، ويقصدها العديد من العراقيين للعمل شأنها شأن مدن أخرى مثل الموصل والبصرة. وفي كركوك تستمع إلى كل اللغات بدءا من الانقليزية لغة شركة النفط عندما كانت تابعة لشركة النفط البريطانية قبل تأميمها. ولما كان مواطنوها خليطا عراقيا فإن معظم سكان كركوك يتكلمون عدة لغات من الانقليزية إلى العربية إلى الكردية والتركمانية والأرمينية والآشورية. وكنا نصغي باعجاب لأصدقائنا من أدباء كركوك لإلمامهم بعدة لغات، وليس هناك أديب من كركوك ومن أي قومية كان لا يعرف اللغة الانقليزية وباتقان إلى درجة أنه يترجم عنها. ونتيجة لهذا الخليط اللغوي فإن تجربة الأدباء تتسع، فالسكان لكل فئة منهم تقاليدها التي تحرص عليها قومية كانت أم دينية، رغم ان الأغلبية من سكان المدينة هم من القبائل العربية العريقة كالجبور وغيرهم. وقد رفدت كركوك الحركة الأدبية العراقية بعدد كبير من الأدباء الذين أطلق عليهم بعض النقاد تسمية «أدباء كركوك» أو «جماعة كركوك» الذين تبلور حضورهم في أوائل الستينات، ومن الملاحظ أنهم عرفوا بكتابتهم التي أنجزوها باللغة العربية حتى وإن لم يكونوا من العرب. كما أن البعض منهم يحمل لقبا يحيل على مدينة أو انتماء عربي مثل أنور الغساني وفاضل العزاوي ومؤيد الراوي وجليل القيسي، ولنلاحظ هنا أن القبائل العربية المعروفة لا ترد طلب من يريد الانتساب إليها شريطة أن يخضع لتقاليدها، وهناك مثل سمعته صغيرا يقول: (لو ضاع أصلك قُول عْبودي) أي عندما لا تعرف أصلك قل انك (عْبودي) أي من قبيلة (العبودة) المعروفة. ووفقا لمعلوماتي فإن عددا من الأدباء كان آباؤهم من دين وأمهم من دين آخر، أو أن زوجاتهم من دين مختلف (أحدهم قال لي ان أمه أرمينية وآخر متزوج من أرمينية.. الخ ولا أريد أن أحدد الاسم، لأن في هذا الدليل على أن الكركوكيين لم يكونوا منغلقين على أنفسهم بل كانوا منفتحين على بعضهم البعض حتى في الزواج. وأواصل ذكر أسماء جماعة كركوك الذين عرفوا عراقيا وعربيا فأذكر سركون بولص وجان دمّو والأب يوسف سعيد وهو رجل دين مسيحي له عدة دواوين منشورة وهو الآن يدير كنيسة في السويد. كما ان هناك أدباء من الأكراد عرفوا بكتاباتهم العربية وأذكر منهم يوسف الحيدري وزهدي الداوودي وهما قاصان معروفان يكتبان باللغة العربية، وسبق هؤلاء الشاعر الكردي الكبير والرائد بلند الحيدري الذي عرف باللغة العربية وكذلك الروائي والقاص عبد المجيد لطفي. ومن أدباء كركوك العرب أذكر صلاح فائق (الشاعر) والناقد المعروف د. عبد اللّه إبراهيم والقاص والمسرحي عواد علي والقاص حسن مطلك والقاص محمود جنداري. والقائمة كبيرة، لكن كركوك مهددة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وإطلاق أيدي «بشمرغة» البرزاني والطالباني لتعبث بالمدينة وتعمل على تغيير تركيبتها السكانية، وتذكر لجنة الدفاع عن عراقية كركوك أن هذين الحزبين المنفذين للسياسة الأمريكية بتقطيع أوصال العراق وتحويله إلى أقاليم كسيحة هزيلة قاما بجلب ألوف الأكراد حتى من غير العراقيين وإسكانهم فيها. وقد بدأ هذان الحزبان بمحاولة اغراء بعض السكان العرب بمبالغ مالية كبيرة ليغادروا كركوك نحو مدن أخرى، وذكر ان المالكي أضاف لهذا (الاغراء) بمنح من يغادر قطعة أرض في المدينة التي ينوي الاقامة فيها. وتذكر الأخبار أن المعركة على كركوك أخذت تتزايد، وبدأت بالتهديدات لتصل حدّ إبادة بعض الأسر العربية لزرع الخوف، ودائما هناك أسر كردية جاهزة وهذه هي الطريقة التي اتبعها الصهاينة في فلسطين العربية المحتلة. ولا نستغرب عندما نعلم أن أوثق العلاقات تربط اقليم البرزاني والطالباني بالكيان الصهيوني من المواطنين العرب الذين يسكنون كركوك هم اليوم بلا حماية، فكل التشكيلة الادارية تقريبا في كركوك كردية ابتداء من المحافظ (الوالي) والجيش فيها «بشمرغة» بثياب عسكرية. ولم يصدر من الحكومة الحالية التي توصف بالمنتهية ولايتها ما يشير إلى حرصها على عراقية كركوك وفق التوازنات القومية فيها، لا بل ان هناك ما يشير إلى «مقايضة» خفية بين المالكي وزعيمي الحزبين الكرديين بأنه سيعطيهما هذه المدينة مقابل تأييد تجديد رئاسته للوزارة. هذا دستور بريمر والمادة 140 منه، مشروع إبادة عراقيين على أيدي عراقيين أخرين!! فمن لكركوك؟!