يعتبر المهرجان الوطني للأدباء الناشئين، من أعرق مهرجانات الأدب التونسية التي تعنى بأدب الشباب وتقيم له الفعاليات النقدية. ففي أواسط الثمانينات، ولد هذا المهرجان ببادرة من الناقد والصحفي الأستاذ محمد بن رجب ودار الثقافة الطيب المهيري بحي الزهور التي يديرها الأستاذ مصطفى الحناشي الذي لعب دورا مهما في ارساء تقاليد هذا المهرجان العريق. وفي الحقيقة، فإن هذا المهرجان صار بمثابة المنتدى السنوي الذي يلتقي خلاله حوالي 100 من الشعراء والقصاصين والنقاد الشبان للتناقد وربط الصلات والتواصل عبر تطارح نصوصهم وما يعتمل فيها من أسئلة وهواجس وطموحات. في تلك الفترة كانت الساحة التونسية تعجّ ببعض الأسماء التي تفرّدت في الحقل الابداعي بجودة النصوص والحضور وقد صار بعض هؤلاء من أهم الكتاب التونسيين الذين اكتسبوا أحقية الحضور تونسيا وعربيا ونذكر منهم آمال مختار، حافظ محفوظ، الهادي الجزيري، ابراهيم الدرغوثي، ابراهيم بن سلطان، عماد الشيحاوي، آمال موسى، نورالدين بالطيب، راضية الهلولي، مجدي بن عيسى، الهادي دبابي، عادل معيزي، ظافر ناجي، سامي البداني، زهرة العبيدي، فاطمة محمود، عبد الوهاب الملوح، نزار شقرون، صالح الدمس، فوزية العلوي، مسعودة بوبكر، الطيب شلبي، محمد حيزي، الميزوني بناني، رضا الجلالي، معز الجلاصي.. وغيرهم وقد كان عدد منهم قد غادر الكتابة إلى اهتمامات أخرى منهم منور المليتي، بديع بن مبروك، السيد بوفايد، حمادي الوهايبي، سعاد قادري. هذا المهرجان جمع هؤلاء في فتراته المختلفة سواء عبر المشاركة أو الحضور وقد نجح أغلبهم في إصدار عدد من الكتب في القصة والشعر والرواية والنقد فضلا عن الحصول على الجوائز المحلية أو العربية وكذلك دعوات المشاركة في فعاليات أدبية عربية وأوروبية تعنى بالشعر والقصة والنقد.. هذا المهرجان كان يمثل الفضاء الحميمي، فعلى امتداد ثلاثة أيام يلتقي هؤلاء وغيرهم حاملين هواجس الأدب في هذا العالم الذي صار يعيش تغيرات أثرت في كل شيء بما في ذلك الأدب، وصارت لهم رؤاهم وأفكارهم الأدبية تجاه عوالمهم الصغيرة والكبيرة. الآن وبعد عدة دورات صار هناك مجال لأصوات أخرى تتحسّس طرقها في الأدب وتبحث عن مبررات ابداعية للحضور في ساحة شهدت رغبات محدودة، في الاشتغال النقدي من قبل أساتذة الجامعة والنقاد حيث أن النقد كثيرا ما كان منصبّا على مدوّنة الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي وبعض الرواد في الشعر العربي مثل السياب والبياتي ونزار ودرويش. هذه السنة يعيش المهرجان ودورته السابعة عشرة ويتقدم إلى مسابقاته المختلفة في الشعر والقصة والنقد حوالي مائة من الكتاب الشبان أمام لجان تحكيم تتكون من نورالدين صمود، جميلة الماجري، يوسف رزوقة، حافظ محفوظ، سمير العيادي، امال مختار، يوسف عبد العاطي، مسعودة بوبكر، حاتم الفطناسي، فوزي الزمرلي. وفي باب التكريم، يحتفي المهرجان بالأدباء البشير المشرقي وحفيظة قارة بيبان ونورالدين بالطيب ويقدمهم كل من آمال مختار ومحمد المي والمنصف المزغني مدير بيت الشعر الذي يشارك في أمسية شعرية على هامش المهرجان مع بالطيب والمشرقي والعوني. هذا المهرجان يقدّم فسحات من القراءات الحرّة التي يستمع فيها الجمهور إلى نصوص شعرية وقصصية، كما يسهر رواده مع عرض فني أدبي بعنوان «لا عشق بعدك، وقد أعدّه الشاعر محمد الهادي الجزيري، انطلاقا من تجربته الشعرية عبر كتبه «زفرات الملك المخلوع» و»رقصة الطائر الذبيح» و»ليس لي ما أضيف» وهو عمل فيه الكثير من التصور الجمالي والشعري فالقصة تنطلق من الشاعر عبر تمفصلات مختلفة تشغل كل من علاقاته بالكتابة، بالمدينة، بالأنثى وبالسقوط المريع والمدوّي للقيم والعلامات الفارقة في هذا الزمن التجريدي من ذلك، سقوط بغداد، المدينة العربية العريقة التي تحدت الاحتلال الأمريكي ولوحت بأيدي العشق الانساني والحضاري، ضد السقوط والمذلّة والهوان. سوف يكتشف الجمهور، متانة الأواصر بين الشعر بما هو فنّ الجمال، وغيره من الفنون الأخرى مثل الموسيقى والمسرح والتأليفات التقليدية التي عملت على اخراجها الفنانة المبدعة راضية الدويري. «لا عشق بعدك» اخراج نزار الكشو ومشاركة موسيقية لعبد الباقي المناعي وعدد آخر من المشاركين في انجاح هذا العمل الذي يشهد الفضاء الثقافي التونسي عددا من عروضه عبر رزنامة ممتدة ومفتوحة نظرا لطرافة الفكرة وجدية التناول. المهرجان الوطني للأدباء الناشئين يوزّع جوائز مختلفة تحفيزا للمشاركين ودعما لهم لمواصلة الكتابة بإبداع مطلوب. وأخيرا، يمكن القول أن المهرجان الوطني للأدباء الناشئين، يمثل علامة فارقة في الأدب التونسي الموجه للشبان وهنا يكمن سرّ نجاحه وهو ينتظم بدعم من فعاليات مختلفة مثل بلدية تونس ووزارة الثقافة وولاية تونس ومعتمدية الزهور ولكن الطموح يظل قائما من أجل مزيد دعم هذا المهرجان حتى يطور برامجه وآفاقه من ذلك أن يصبح مهرجانا عربيا أو متوسطيا لمَ لا؟ في هذا المهرجان تم تتويج عدد من الشبان المتميزين في حقل الكتابة ومنهم، خالد الماجري، عبير المكي، شوقي العنيزي، وهم إلى جانب عدد قليل من الأسماء الأخرى يمثلون تجارب مهمة قد تعطي نتائجها المثمرة في قادم السنوات والآتي أعظم.