قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (24)} (سورة السجدة). وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزء من النبوّة} رواه أبو داود وأحمد. والادب باب من أبواب سيادة العبد، وزينة يتزين بها بين الانام، وجمال يحبه الله من عبده. والادب دليل كمال العقل، وخير من كثير من العمل، وعلامة ظاهرة على توفيق الله لعبده، وفقده دليل خذلان وخسارة، والناس أحوج اليه من كثير من العلوم. والادب يدعو صاحبه الى المحامد، وينهاه عن القبائح، لذلك عرّفه العلامة ابن القيّم رحمه الله بقوله: الادب: «استعمال الخلق الجميل»... فكأنه جعل الخلق مادة تحتاج من العبد الى استعمال لتظهر ثمارها، وثمار الخلق: الادب. وهذه نبذ من الآداب: أولا: أدب المسلم مع الله تعالى: 1 توحيده في ربوبيته وأسمائه وصفاته، وإفراده بجميع أنواع الطاعة، والاتيان بروح التوحيد، وهو التوكّل على الله حق التوكّل، ويكون بإيمان العبد بكل ما قدّر الله وقضى، وحمد الله على السراء، والصبر على الضراء، واتخاذ الاسباب التي أذن الله بالاخذ بها. 2 أداء ما أوجب الله على عبده من جميع أنواع العبادة، واجتناب جميع المعاصي. 3 مراقبة الله في السر كما يراقبه في العلن. ثانيا: أدب المسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو ضميم الادب مع الله، فلا يصحّ الادب مع الله مع تفريط في الادب مع رسوله صلى الله عليه وسلم، والادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن الآتي: 1 تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة النفس وكل الناس. 2 إطاعته صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به. 3 اجتناب كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم. 4 تصديقه في كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. 5 أن لا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم. 6) الصلاة والسلام عليه كلما ذُكر صلى الله عليه وسلم. 7 تعظيمه إذا ذُكرت سُنّته صلى الله عليه وسلم. فإذا جاء المسلم بهذه الآداب فهو المتأدب حقا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثا: أدب المسلم مع القرآن العظيم: كتاب الله العظيم هو حبل الله المتين، ومن دعا اليه هدى الى صراط مستقيم. وقد جعل الشرع للمسلم مع هذا الكتاب العظيم آدابا، فمن أهمها: 1 أن لا يمسّّه إلا وهو طاهر، ويُستحبّ ألاّ يقرأه إلا على طهارة. 2 أن يستقبل القبلة حال قراءته. 3 أن يفتتح قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وبالبسملة في ابتداء السور إلا براءة. 4 أن يستاك خاصة عند استيقاظه من نومه. 5 أن يمسك عن التلاوة حال التثاؤب. 6 ألاّ يقطّع التلاوة بالحديث الدنيويّ. 7 أن يقف على آي الرحمة ليسأل الله من فضله، وآي العذاب ليستعيذ بالله من النار. 8 أن يرتّل القرآن ترتيلا، ولا يهدّه هدّا كالشعر. 9 أن يسجد عند آيات السجود، وهو سنّة مؤكدة. 10 أن يتدبّر ويتفكّر في الآيات التي يقرأها. 11 أن يحسّن صوته بالقراءة. 12 أن لا يقرأ في ركوعه وسجوده وتشهده، ولا حال قضائه الحاجة، ولا النعاس، ولا خطبة الجمعة. 13 إذا مر بقوم وهو يقرأ فليقطع قراءته للسلام. 14 إذا سمع المؤذن فليقطع قراءته ليردّد خلفه. رابعا: أدب المسلم مع نفسه : المسلم يحرص دائما على استعمال خلقه فيما يزينه أمام الله، وأمام خلقه، ويترقّى في درجات المحامد، ويتنزّه عن كل القبائح مستعملا خلقه الحسن فتراه حريصا على تحقيق توحيده، وإخلاص عبادته، ومراقبة ربّه، وتعظيم نيته صلى الله عليه وسلم، وإيفائه حقوقه، وعدم التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم في دقيق الامور وجليلها. حريصا على استعمال كريم خلقه مع جميع الخلق، بدءا بوالديه، ومرورا بكل من له حق عليه، وانتهاء بكل الخلق حتى الكفّار والجمادات. وكيف يكون متأدبا في حلّه وسفره، وفرحه وترحه، وجدّه، ومرحه، وفي جميع أحواله. خامسا: أدب المسلم مع والديه: أعظم حق للوالدين: الاحسان اليهما، والاحسان هو الاخلاص والاتقان، والمقصود به هنا: بر الوالدين، وفيه عدة مراتب، وهي: 1 كفّ الاذى عنهما. 2 إيصال الخير الذي يحتاجانه اليهما، مادام هذا الخير مقدورا للولد. 3 التقرّب اليهما بلين الجانب وخفض الجناح. 4 وتحسّس مواطن رضاهما، فيأتيها الولد، ومواطن سخطهما، فيبتعد عنها. 5 الدعاء لهما بظهر الغيب. 6 الاعتراف بحقهما بالقلب وباللسان. 7 السعي الجاد لنيل رضاهما. قال الله تعالى: {وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقلْ لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربّياني صغيرا (24)} (سورة الاسراء). سادسا: أدب الزوجين مع بعضهما: قال الله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها... (189)} (سورة الاعراف). وحتى تكون الحياة بين الزوجين سكنا فلابد من التزام كل منهما هذه الآداب، وهي: 1 المعاشرة بالمعروف: قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف... (19)} (سورة النساء). وهذا يشمل جميع أنواع المعروف. 2 غضّ الطرف عن هفوات الآخر: وتذكر المحاسن قبل المساوئ، قال صلى الله عليه وسلم: «لايفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» (رواه مسلم). 3 النصيحة للآخر: والنصيحة تكون في أمور: منها: تعليم كل منهما الآخر ما يجهل، إن كان التعليم في مقدورهما، والغيرة المحمودة التي بها يتجنب الوقوع في الحرام، وذلك بحرص كل منهما على إعفاف الآخر حتى لا يتطلع الى الحرام، وأخذ الاحتياطات اللازمة في ذلك.