ظلت ساحة الحلفاوين لعقود طويلة القلب النابض للمدينة العتيقة وملتقى عشاق السهر خلال ليالي رمضان خاصة في فصل الربيع والصيف والخريف لكن ومع بداية سنة 1947 بدأ نجم ساحة الحلفاوين في الأفول وتضاءل النشاط الترفيهي الرمضاني تدريجيا الى أن انتهى واندثر بالكامل سنة 1952. وعن سبب ذلك التغيير يقول الباحث محمود زبيس: بداية من سنة 1947 تحولت الحركية الثقافية والترفيهية الرمضانية من ساحة الحلفاوين الى ساحة باب الخضراء أين توجد الحديقة العمومية الآن خارج سور باب الخضراء. ومن بين الأسباب التي أدت الى انتقال النشاط من المكان الأول إلى الثاني الاكتظاظ وضيق المكان حيث كانت الأجواء داخل مقاهي الحلفاوين مختنقة بسبب صغر المساحة وكثرة التدخين. أما بساحة باب الخضراء فقد أصبحت المقاهي في الهواء الطلق. وفي البداية تحول عدد من البرارك المخصصة لتقديم الألعاب والعروض الفرجوية الى ساحة باب الخضراء وبقي البعض الآخر في أماكنها المعتادة وظهرت أنشطة تجارية جديدة عند انتقال الحفلات الى المكان الجديد. ومما اذكره في هذا الصدد انتشار ظاهرة بيع الحلويات والمثلجات العصرية من قبل الطاهر وجلول اللذان كانا يمتلكان دكانا لبيع المثلجات العصرية والفطائر بمدخل نهج القصبة قدوما من باب البحر. وكانا خلال الليالي الرمضانية يتجولان بعربتيهما يبيعان المثلجات للأطفال الصغار الذين يقبلون بكثافة على «برارك» الألعاب. وبدأ النشاط الترفيهي المميز لشهر رمضان بساحة الحلفاوين بالتقلص تدريجيا إلى أن اضمحل بالكامل بعد معركة التحرير التي اندلعت يوم 18 جانفي 1952 حيث طلق الناس ليالي اللهو والسهر والجلوس بالمقاهي الى مطلع الفجر والاستمتاع بالاستماع الى الغناء ومشاهدة الرقص وتحول اهتمامهم الىالنضال ومحاربة المستعمر. نفور الناس وعدم إقبالهم على السهرات الفنية والترفيهية خلال ليالي شهر رمضان لم يكن حكرا على ساحة الحلفاوين فقط بل شمل أيضا «كافيشانطات» Café chantant باب سويقة التي تراجع نشاطها وتوقف تماما قبل الاستقلال بسنوات قليلة وكذلك الشأن بالنسبة للأنشطة التي كانت موجودة بساحة باب الخضراء نظرا لانشغال الناس في ذلك الوقت وتركيز الجميع على معركة التحرير. وبعد حصول تونس على استقلالها في 20 مارس 1956 عادت بعض «الصالات» الى نشاطها منها صالة نزل العياشي وصالة قرطبة وصالة الفتح اذكر علية ونعمة وعائشة ورضا القلعي ومحمد سعادة ومحمد اللجمي والراقصتين ليلى وعزيزة أمير التي عوضتها فيما بعد الممثلة والراقصة سلوى محمد. وبعد الاستقلال تحول مقهى الجزائر الكبير الى دكان حدادة وخفتت حفلات الحلفاوين وباب سويقة الى أن اندثرت نهائيا سنة 1958. وأصبحت ساحة الحلفاوين خالية ويلفها الظلام في الليل وموحشة تبعث في نفس كل من واكب حفلاتها وليالي السهر الرمضانية الصاخبة والجميلة الشعور بالحسرة والأسى على اندثار تلك الأيام الخوالي. ومما عمق هذا الشعور الحزين في نفسي وفي نفوس كل من كان شاهدا على أوج بطحاء باب سويقة وساحة الحلفاوين إعادة تهيئة كامل بطحاء باب سويقة عمرانيا وهندسيا خلال السعبينات من القرن الماضي وتم إعادة بناء صالة الفتح في شكل جديد وأصبحت هذه البطحاء أيضا خالية من أي نشاط واندثرت كل المقاهي والبرارك التنشيطية في كل من باب الخضراء وساحة الحلفاوين وبقي كل الذي كان مجرد ذكريات يعيش على وقعها كبار السن والعجائز من أمثالي.