نواصل الحديث في هذه الحلقة الجديدة من حديث الذكريات (رمضان زمان بين الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي)عن الحفلات والسهرات الرمضانية التي كانت تحتضنها ساحة الحلفاوين. هذه السهرات كانت تقام داخل عدد من الخيام المسماة ب«البرارك» وكانت كل براكة تختص في تقديم نوعية معينة من العروض الفرجوية. ويقول الباحث محمود زبيس في هذا السياق: كانت «البرارك» الموجودة بساحة الحلفاوين تشهد إقبالا هاما خاصة من قبل الرجال والأطفال والشباب. وكانت الألعاب المقدمة تستهوي عددا كبيرا من الساهرين فيقبلون عليها ويمارسونها بكل شغف خاصة وأنها تفضي بهم إلى الحصول على جوائز كانت تعتبر هامة في ذلك الوقت. ومن أكثر هذه الألعاب استقطابا للساهرين اذكر لعبة التذاكر وتتمثل في أن كل فرد يقتطع تذكرة يحصل على رقم وتوضع هذه الأرقام في الناعورة التي يديرها ويحركها المنشط والرقم الرابح هو الذي يخرج من حلقة الناعورة والرابح يتحصل على طاقم أكل من الفخار. وبجانبها نجد براكة أخرى فيها لعبة الفئران وهي لعبة مشابهة لسابقتها والرابح فيها يتحصل على طاقم أكل من الفخار أيضا. ويلاصقها من الواجهة القبلية براكة فرجوية ينشطها الساحر الملقب ب«أفندي روداس» وكلمة روداس هي اسم لجزيرة تركية والآن أصبحت يونانية ومن عروضه بلع البيض وإخراج الحمامة من القبعة . والى جانب الساحر «أفندي روداس» نجد ساحرا آخر واسمه «بخبوخ بن بخبخة» ومن أهم عروضه عرض النار ويتمثل في أن السحار يملأ فمه ب«القاز» وينفخ في الفتيلة فتشتعل النار فيخيل للمشاهد أن النار تخرج من فمه بالفعل. وغير بعيد عنه نجد الساحر المنوم ويتلخص عرضه في تنويم فتاة صغيرة ويرفعها بعد ذلك من على السرير التي كانت نائمة عليه فتظل كذلك معلقة بين السماء والأرض مدة من الزمن وسط دهشة المتفرجين وفي النهاية يعيدها إلى السرير وبحركاته المعهودة يوقظها مجددا. وكان هذا العرض الفرجوي يشد انتباه الناس وخاصة الأطفال وكانت الموسيقى المصاحبة للعرض وهي موسيقى الفالز في نغمة الناهاوند. وغير بعيد عن براكة الساحر المنوم نجد الرجل الإيطالي وابنته التي تقدم عرض المشي على سلك من «التل» يربط من طرفيه على ارتفاع علو كبير نسبيا وكانت تقدم هذا العرض وسط دهشة المتفرجين حاملة بيدها مطرية تستعين بها للمحافظة على توازنها. وبعد انتهاء ابنة الإيطالي من عرضها يأتي دور فتاة أخرى لتقدم عرض «البرميل». وتظل البراكة الكبيرة من أهم الأماكن التي تستقطب المتفرجين بأعداد غفيرة لأنها كانت تقدم عروض الرقص لراقصات غير محترفات يرقصن على إيقاع الطبلة و«الزكرة» وكان الدخول إليها منظما ولا يسمح لأي أحد بالدخول بلا تذكرة أو حتى استراق النظر من الخارج حيث كانت هذه البراكة مصنوعة من الخشب السميك والمتلاصق. وتحتضن ساحة الحلفاوين أيضا على براكة الناعورة وتحتوي على عدد من الخيول الخشبية وعربات مجرورة يديرها رجل أشقر ب«المانيفار» وهي ألعاب مخصصة لأطفال الصغار. وقبالتها وفي مدخل سوقي بلخير نجد «الشقليبة» الكبيرة وبعدها وبمقهى سيدي عمارة الموجودة بإحدى زوايا بطحاء الحلفاوين نجد عرضا فرجويا آخر وذلك دون نسيان عرض صندوق عجب والمتمثل في عرض صور لمعالم تاريخية مرفوقة بتعريفها وإعطاء معلومات عن موقعها وعمن بناها وأسسها وكان صاحب الصندوق والقائم عليه يضع صندوقه على الرصيف الموجود بين مقهى «الزليز» ومقر مركز الشرطة.