تزخر مدينة سوسة بعديد المعالم والمواقع التي تمثل منارة حضارية، ودليلا على الثراء التاريخي لهذه الجهة منذ أقدم العصور، وتنطلق رحلتنا في معالم مدينة سوسةبالرباط باعتباره حلقة من سلسلة متكاملة من المواقع الساحلية المماثلة المعهود اليها بالدفاع عن السواحل الأمامية ضد هجمات المسيحيين. أقيم هذا الرباط حسب الوثائق الصادرة عن وكالة احياء التراث والتنمية الثقافية في أواخر القرن الثامن وفي عام 821م أضاف اليه الامير زيادة الله الاول، وهو من أمراء الأغالبة، برج المراقبة وترصد العدو بالناحية الجنوبية الشرقية. ورباط سوسة قلعة مربعة تقريبا، يساوي ضلعها 30 مترا، وهو معد لايواء ما يقارب الخمسين شخصا وكل ركن من أركانه مجهز ببرج مستدير، باستثناء الناحية الجنوبية الشرفية حيث توجد القاعدة المربعة الضخمة التي يقوم عليها ناظور المراقبة والترصد، وفي داخل الرباط تنفتح قاعات الحراسة من حول الحصن وعلى جانبي الدهليز. وفي الطابق العلوي تحتل المقاصير ثلاثا فقط من القاعات، في حين خصصت القاعة الرابعة بأكملها لتكون بيت الصلاة، وهو من أقدم ما وصل الينا من هذه البيوت بافريقية محافظا على حاله الاصلية تقريبا. **الجامع أما الجامع الكبير بسوسة فقد بني بالحجارة الكبرى وتوجت جدرانه بالشرفات، وأقيم برجان بزاويته الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية، فجاء أشبه ما يكون بقلعة من القلاع، وأسس الجامع عام 851م على يد الأمير الأغلبي أبي العباس محمد ثم جرى ترميمه وتوسيعه عديد المرات، وهذا الجامع بما فيه من أروقة وبيت صلاة، وقبة ونقائش، وكتابات كوفية وتزويق زهري نباتي يشكل أنموذجا من أقدم نماذج الفن الاسلامي بالمغرب العربي. الأسوار وتمثل أسوار سوسة أروع شاهد على شكل وحدود المدينة في العصر الوسيط، وقد أقامها الأمير أبو ابراهيم احمد في عام 859م وتم ترميمها عدة مرات (في سنوات 874 و1205 و1748 ...) ولا ينقص هذه الأسوار حاليا سوى جزء ضئيل منها تم تهديمه من جراء عمليات القذف بالقنابل أثناء الحرب العالمية الثانية. **المتحف وتضم مدينة سوسة متحفا رائعا غني بلوحاته الفسيفسائية الرومانية التي تمثل روائع فنية أصيلة، ويحتل المتحف بعض المباني التابعة للقصبة القديمة لكن أهم جزء منه يوجد داخل مبان عصرية، وهو يتكون من عدة قاعات وأروقة، والتحف المعروضة به متأتية من حضرموت القديمة (Hadrusmete) وما حولها (مثل الجم وسلقطة) وهي تغطي عهودا مختلفة، وتتمثل بالخصوص في نصب من الحجارة، وشواهد نذور وأوان من الفخار البونيقي ولوحات فسيفساء ونحوت رومانية، وكذلك قطع من الفخار والخزف من العهد البيزنطي، ويوجد بالمتحف ايضا الأثاث الجنائزي والنقائش الواردة من سراديب الاموات بسوسة، ومن بين أنفس لوحات الفسيفساء لوحة تمثل «رأس وحش الميدوسا الميثولوجي» وهي تعود الى القرن الثاني، وقد كانت تزين «البيت الوسيط» (Tepidarium) من الحمام الروماني، وكذلك لوحة تمثل «صورة الاله أوقيانوس» تعود الى أوائل القرن الثاني، ولوحة «وحش الساتير وعواهر باخوس» من القرن الثاني أيضا، ولوحة فخمة تعرف ب»انتصار باخوس» تصور انتصار هذا الاله الشاب على قوى الشر وأخيرا لوحة تصور الاله زوس يختطف غانيماد (القرن الثاني). **سراديب الأموات أما سراديب الاموات بسوسة ورغم أنها أقل قيمة وثراء من سراديب روما، الا أنها بقيت بحال أحسن من هذه الأخيرة، وهي تشتمل على 240 نفقا تضم ما يناهز 15 ألف جثة على طول يزيد على 5 كيلومترات، وقد تم التنقيب على ثلاث من مجموعات القبور الاربع (سراديب الراعي الطيب هرمس وسيفيريوس) وكشفت الحفريات نقائش وأثاث جنائزي مودعة اليوم بمتحف سوسة، أما قطع الفسيفساء المكتشفة بسراديب الاموات فهي من انتاج مشاغل ومعامل محلية.