مع تتالي الحديث هذه الأيام عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المنتظر تنظيمها ببلادنا يوم 25 أكتوبر الجاري، يتساءل كثير من التونسيين عن الاطار العام لهذه المحطة السياسية الهامة وحتى عن بعض جزئياتها وتفاصيلها، وهي مسائل نظّمتها القوانين والتشريعات في بلادنا. وقد لا تتاح الفرصة أمام كثيرين للإطلاع عليها الا اذا كانوا داخل معمعة العمل السياسي او من خلال الدراسة وهو ما يطرح مجددا ظاهرة العزوف عن العمل السياسي خصوصا لدى الشبان التي لا تختص بها تونس فحسب بل كامل دول العالم، حيث يبلغ معدل مشاركة الشباب في العمل السياسي بالدول النامية 8 او 9٪ وفي الدول الاوروبية 20٪، وفي إطار تبسيط الاطار العام للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة ببلادنا وتبسيط مفاهيمها وبعض شروطها واجراءاتها العامة وكيفية تنظيمها ارتأت «الشروق» تقديم هذه اللمحة العامة عن النظام السياسي في تونس وعن الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية وعن كيفية تنظيمها من حيث التصويت. ويجدر التذكير في البداية الى ان النظام السياسي المعتمد في الجمهورية التونسية هو النظام الرئاسي الجمهوري ويقوم هذا النظام من جهة على رئيس جمهورية منتخب من الشعب لممارسة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة،يعيّن اعضاءها ورئيسها (أو يعزلهم) بنفسه، وتقوم هذه الحكومة بتنفيذ السياسة العامة التي يرسمها لها ويرأس الحكومة المكونة من وزراء وزير أول... كما يقوم النظام الرئاسي من جهة أخرى على السلطة التشريعية التي يمارسها مجلس واحد او مجلسان مثلما هو الشأن في تونس حيث يوجد مجلس النواب ومجلس المستشارين وكلاهما يمارس السلطة التشريعية (ف18 من الدستور) ونظريا يقوم هذا النظام على فصل مطلق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن معالمه الآن تغيرت في الدول العصرية حيث اصبح يقوم على انفتاح السلطتين على بعضهما البعض وعلى تعاونهما في اتخاذ القرارات وسن القوانين مثلما نلاحظه في تونس وفي عديد الدول التي اختارت هذا النظام على غرار فرنسا والولايات المتحدة ومصر... وهذا النظام هو عكس النظام البرلماني الذي تكون فيه أغلب السلطة التنفيذية بين أيدي رئيس الوزراء (رئيس الحكومة) ويمارس البرلمان فيه أغلب السلطات بينما يكون رئيس الجمهورية فيه مجرد منصب شرفي... ونجد هذا النظام مثلا في ايطاليا وألمانيا والنمسا. كل 5 سنوات ينص الدستور التونسي على أن مجلس النواب يقع انتخابه كل 5 سنوات خلال الثلاثين يوما الاخيرة من المدة النيابية السابقة (الفصل 22 من الدستور)، والامر نفسه بالنسبة لرئيس الجمهورية الذي يقع انتخابه كذلك كل 5 سنوات خلال الثلاثين يوما الأخيرة من المدة الرئاسية السابقة (الفصل 39) وهذا ما ستعيشه تونس يوم 25 أكتوبر الجاري حيث نعيش هذه الايام الثلاثين يوما الاخيرة من الفترتين النيابية والرئاسية اللتين انطلقتا بعد انتخابات 24 أكتوبر 2004. أما بالنسبة لمجلس المستشارين فإن مدة نيابته هي 6 سنوات على أن يقع تجديد نصف أعضائه كل 3 سنوات (ف22 من الدستور) علما ان عدد اعضائه لا يتجاوز ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب. ديمقراطية جاء في الفصلين 18 و39 من الدستور التونسي ان انتخاب اعضاء مجلس النواب ورئيس الجمهورية يكون عن طريق الاقتراع العام والحر المباشر والسرّي حسب الشروط والاجراءات التي يضبطها القانون الانتخابي (المجلة الانتخابية). ويقع انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع بالاغلبية المطلقة للأصوات المصرّح بها، أما انتخاب اعضاء مجلس النواب فيكون بالاقتراع على القائمات. هذه الطريقة في الانتخاب تحيل حتما الى الديمقراطية حيث ان الشعب يفوّض بنفسه ممارسة السلطة لمن انتخبهم. ويكون هذا التفويض عاما، اي يشارك فيه كل أفراد الشعب بلا استثناء حسب شروط يضبطها القانون وهي الشروط الواردة بالنسبة لتونس في الفصل الثاني من المجلة الانتخابية «يتمتع بحق الانتخاب جميع التونسيين والتونسيات البالغين من العمر 18 سنة كاملة والمتمتعين بالجنسية التونسية منذ 5 أعوام على الاقل وبحقوقهم المدنية والسياسية والذين لم تشملهم اية صورة من صور الحرمان التي نص عليها القانون. كما يكون هذا التفويض حرّا اي ان الناخب له الحرية التامة يوم الاقتراع لاختيار رئيسه ونوابه في البرلمان دون ان يؤثر على قراره اي كان وهو ما تؤكد عليه عدة فصول بالمجلة الانتخابية... ومن جهة ثالثة فإن هذا التفويض مباشر وهو ما يؤكد عليه القانون الانتخابي بالقول خاصة ان عملية التصويت تكون عن طريق الناخب مباشرة وليس عن طريق من يمثّله. ورابعا يكون التفويض سريا، وهو ما أشارت اليه فصول المجلة الانتخابية المنظمة للاقتراع، ذلك ان ممارسة الحق الانتخابي تكون داخل خلوة لا يكون حاضرا فيها زمن التصويت الا الناخب. وقد وقع اعتماد طريقة الانتخاب العام والحر والمباشر والسرّي خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأربعة الأخيرة التي جرت ببلادنا (1989 1994 1999 2004) وسيقع مواصلة العمل بها أيضا خلال انتخابات 24 أكتوبر 2009. الترشح للرئاسة كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الترشحات للانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقد حدد الدستور التونسي في الفصل 40 شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهي أن يكون تونسيا غير حامل لجنسية أخرى، مُسلما، مولودا لأب ولأم وجدّ لأب ولأم تونسيين، وكلهم تونسيون دون انقطاع كما يجب أن يكون المترشح يوم تقديم ترشحه بالغا من العمر 40 سنة على الأقل و75 سنة على الأكثر ومتمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية. ويضيف الفصل 40 أنه يجب أن يقع تقديم المترشح من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب أو رؤساء مجالس بلدية حدده الفصل 66 من المجلة الانتخابية ب30 ويكون هذا التقديم بصفة فردية أو جماعية من خلال تصريح موجه إلى المجلس الدستوري على ورق عادي يحمل إمضاءات هؤلاء المقدّمين معرفا بها على أن لا يُسمح لأي منهم سوى بتقديم مترشح واحد. غير أن القانون التونسي سمح بصفة استثنائية بالنسبة للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 أن يترشح لرئاسة الجمهورية المسؤول الأول عن كل حزب سياسي سواء كان رئيسا أو أمينا عاما أو أمينا أول لحزبه شريطة أن يكون منتخبا لتلك المسؤولية وأن يكون يوم تقديم مطلب ترشحه مباشرا لها منذ مدة لا تقل عن سنتين متتاليتين منذ انتخابه لها (القانوني الدستوري عدد52 المؤرخ في 28 جويلية 2008). وهذا الاستثناء سمح بترشح 3 مسؤولين عن أحزاب سياسية معارضة لانتخابات 2009 حركة التجديد (السيد أحمد ابراهيم) حزب الوحدة الشعبية (السيد محمد بوشيحة) الاتحاد الديمقراطي الوحدوي (السيد أحمد الأينوبلي) وهو ما جعل عدد المترشحين يرتفع إلى أربعة باعتبار مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي (السيد زين العابدين بن علي)... ونصّت المجلة الانتخابية على أنّ مطلب الترشح يقع تقديمه إلى المجلس الدستوري خلال الشهر الثاني السابق ليوم الاقتراع مرفوقا بكل الوثائق وبمبلغ 5 الاف دينار لا يرجع إليه إلا عند حصوله على 3٪ على الأقل من الأصوات والمصرح بها يوم الاقتراع ويبت المجلس الدستوري في صحة هذه الترشحات ويعلن عنها بصفة نهائية في قرار، وهو ما حصل مع المرشحين الأربعة لانتخابات 2009. الترشح للبرلمان جاء بالفصل 21 من الدستور التونسي أن الترشح لعضوية مجلس النواب حق لكل ناخب (انظر شروط صفة الناخب في الفقرة السابقة «ديمقراطية») مولود لأب تونسي أو لأم تونسية وبلغ من العمر على الأقل 23 سنة كاملة، يوم تقديم ترشحه أما المترشح لمجلس المستشارين فيجب أن يكون ناخبا مولودا لأب تونسي أو لأم تونسية وأن يكون بالغا من العمر على الأقل 40 سنة كاملة يوم تقديم ترشحه إضافة إلى ضرورة توفر صفة مهنية تؤهله إلى الترشح عن قطاع الأعراف أو الفلاحين أو الأجراء. ويكون الترشح للانتخابات التشريعية على مستوى الدوائر الانتخابية بالانتماء إلى قائمة حزبية أو قائمة مستقلة لأن التصويت يتم على القائمات وتقدم الترشحات إلى الوالي. ويُمنع الترشح لعضوية مجلس النواب على رئيس وأعضاء المجلس الدستوري ورئيس وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والولاة والقضاة والمعتمدين الأولين والكتاب العامين للولايات والمعتمدين والعمد. أمّا بالنسبة للترشح إلى عضوية مجلس المستشارين فتكون على المستوى الجهوي (عضو أو عضوين عن كل ولاية باعتبار أن عدد السكان يتم انتخابه (أو انتخابهما) من بين أعضاء الجماعات المحلية المنتخبين أو على المستوى الوطني من بين الأعراف والفلاحين والأجراء يقع ترشيحهم من المنظمات المهنية المعنية ويوجد جانب من الأعضاء يقع تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية من بين الكفاءات والشخصيات الوطنية... ويكون هذا الانتخاب والتعيين مباشرة بعد انتخاب أعضاء مجلس النواب. الاقتراع الانتخاب حقّ لكل تونسي أو تونسية بلغ من العمر 18 سنة مع ضرورة توفر شروط أخرى ويقتضي ممارسة حق الانتخاب الحصول على بطاقة ناخب حسب إجراءات وشروط وضعها القانون الانتخابي. وحسب هذا القانون فإن التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية يكون بمكاتب الاقتراع المخصصة لذلك ويكون مدّة يوم واحد فقط على أن يكون يوم أحد ويكون الاقتراع بدخول الناخب بنفسه مباشرة إلى خلوة ثم يضع اختياره بصفة سرية بالنسبة للانتخابات الرئاسية داخل ظرف أبيض وبالنسبة للانتخابات التشريعية داخل ظرف أصفر، ثم يضع كلاّ منهما داخل الصندوق المخصص لذلك طبقا لشكليات حدّدها القانون الانتخابي.