صاحب الحذاء الذهبي عام 1977، وأحد صنّاع ملحمة الأرجنتين 1978، والقائد السابق لفريق الملعب التونسي في مختلف الاصناف، والمدافع العملاق، وصاحب الوقار والروح الرياضية العالية التي جعلت مسيرته الكروية صفحة بيضاء لم تدوّن عليها سوىورقة صفراءواحدة طيلة عشرين عاما في دنيا كرة القدم! كل هذه الألقاب مرادفات لشخص واحد اسمه: محسن الجندوبي. خاض المدافع الدولي السابق محسن الجندوبي رحلة طويلة مع الساحرة المستديرة ليكون أحد رموز فريق الملعب التونسي والكرة التونسية عموما. البداية من الحرايرية ولد محسن الجندوبي يوم 15 جانفي 1954 عاشقا لكرة القدم في عائلة تتكوّن من 12 شقيقا (4 بنات و8 أولاد) وقد دفعه شغفه بكرة القدم الى الهروب أحيانا عن صفوف الدراسة ليمارس هوايته الاولى في شوارع الحرايرية بباردو حيث ظهرت الى الوجود موهبة فذّة سيكون لها شأن كبير في تاريخ «البقلاوة» والمنتخب التونسي. مواهب محسن الجندوبي لم تكن تقتصر على التميّز في خطّة المدافع المحوري وإنما تعدّدت مواهبه وشملت رياضة الجمباز التي تألّق فيها وهو ما جعله محلّ تهافت وصراع من قبل مدرّب الجمباز ومدرّب كرة القدم السيد عمر الماجري ولكن كان لشغفه بكرة القدم القرار الفصل في تحديد وجهته لينضمّ بصفة رسمية الى صفوف شبّان الملعب التونسي ويستغني الى الأبد عن رياضة الجمباز وكذلك عن حراسة المرمى التي تألق فيها أيضا. تألّق مع الشبان التحق الجندوبي بشبان الملعب التونسي خلال موسم 1968 1969 وتحصّل على بطولة تونس مع الأواسط سنة 1973 في حين خسر نهائي الكأس ضد النجم الرياضي الساحلي في السنة نفسها وقد تأثّر الجندوبي بكل من المغيربي ومحيي الدين اللذين يعتبرهما من عمالقة الكرة في تونس رافعا شعار «العمل هو سرّ النجاح». قائد لكل الأوقات سرعان ما انضمّ الجندوبي الى أكابر الملعب التونسي عام 1973 عندما خاض أوّل مقابلة له ضد الاتحاد الرياضي المنستيري والتي تعدّ من أفضل المباريات التي لعبها الجندوبي طوال مسيرته الكروية ولعلّ من الأشياء المهمّة التي ميّزت مسيرة هذا اللاعب في «البقلاوة» هو حصوله علىشارة القيادة في كل الاصناف دون استثناء لما يتميّز به من حبّ للانتصار وهدوء فوق الميدان وروح قيادية واقناعية عالية طيلة مسيرته التي امتدّت الى غاية 1988. ملحمة الأرجنتين في البال في سنة 1974 تفطّن مدرب المنتخب الوطني الاسباني المجري أندري ناجي الى الامكانات التي يتمتع بها مدافع الملعب التونسي فضمّه الى صفوف المنتخب الوطني فكانت مقابلته الأولى سنة 1974 ضد منتخب الكويت، قبل أن يكتب الجندوبي اسمه بأحرف من ذهب في الذاكرة الرياضية التونسية والعربية عندما كان أحد المساهمين البارزين في ملحمة الأرجنتين التي قادها باقتدار المدرّب الوطني عبد المجيد الشتالي. خصاله طول فارع تجاوز 1.81م ولياقة بدنية عالية بحوالي 78 كلغ وبأسلوب رائع في التصدّي للكرات الفضائية التي يبقى ملكها الأول ويكفي أنه تصدّى في مقابلة واحدة الى 24 كرة رأسية بما أنه يواظب على التدرّب الخاص على الكرات الفضائية خارج تمارين الفريق، ولا يعتمد على أسلوب التشتيت المجاني للكرات وإنما يحاول بناء الهجمة انطلاقا من الدفاع. ويتميّز بحضوره الذهني وتركيزه التام أثناء المقابلة ولم يلتجئ يوما الى التمويه على الحكم لكسب بعض الثواني حتى وإن كان ذلك مراد مدرّبه! كما تميّز الجندوبي بانضباطه وإلتزامه بالحضور الى تمارين فريقه قبل الجميع كما عرف عنه قناعته فالمال كان آخر همّه كلّها خصال ساهمت في نجاحه وتمكن من التصدّي لعمالقة كرة القدم على غرار البولوني «لاتو» والجناح النفّاثة تميم الحزامي والمهاجم الرائع الخويني. جنبا الى جنب مع طارق التحق الجندوبي عام 1980 بالنادي الاهلي السعودي الذي ينشط في صفوفه آنذاك طارق ذياب وتعاقد مع هذا الفريق لمدة ثلاث سنوات ضمن من خلالها حياة كريمة لأفراد عائلته. الزواج المبكّر تزوّج الجندوبي وهو لم يتجاوز سنّ 22 عاما وقد طبّق في ذلك شعاره المفضّل «يا لاعب لا تفكّر وعجّل بالزواج المبكّر» وذلك ايمانا منه بأن الزواج المبكّر هو العامل الاساسي لضمان استقرار اللاعب والمحافظة عليه من همزات شيطان ماكر وقد وفق اللاعب أيضا في دراسته ويجيد الجندوبي حاليا أكثر من ثلاث لغات. ورقة صفراء يتيمة لم تسجل مسيرة الجندوبي سوى ورقة صفراء واحدة تحصّل عليها في آخر موسم من مسيرته الكروية عام 1988 في المقابلة التي جمعت الملعب التونسي بمحيط قرقنة وكان الحكم جزائريا ويدعى «حنصل» والذي فور علمه بالخبر بعد المقابلة قال «لو علمت ما كنت أنذرتك أبدا». أندري ناجي يتكلّم عن الجندوبي «لم أثن في حياتي علىلاعب وإن كنت سأفعل ذلك فإنني سأثني على مدافع الملعب التونسي محسن الجندوبي». على جناح السرعة من المفروض أن محسن الجندوبي يشكو تآكلا في عظام أعلى الفخذ منذ سنة 1999 وهو ما جعله يخضع الى عملية جراحية يوم 9 جويلية 2009 كلّلت والحمد & بالنجاح ولكن ما يحزّ في النفس أن العائلة الرياضية بصغيرها وكبيرها لم تكلّف نفسها حتى مشقّة زيارته في منزله الكائن بباردو وهو الذي قدّم بسخاء للكرة التونسية!