1 لا يجد محمد علي الهاني في الساحة الشعرية اليوم احتفاء اعلاميا او ادبيا متميزا .. فالرجل ليس من الأسماء التي تركض هنا وهناك ويبدو انه لم يصنع حوله هالة اعلامية ولم يخض هذه اللعبة الذكية التي صنعت من أسماء عديدة أقل لغة وقدرة على الكتابة ووطنية ونضالية وشاعرية نجوما ساطعة في الفضاءات الأدبية المختلفة رغم ما ناله من جوائز وطنية وعربية ... 2 قد يكون الهاني دفع ضريبة الاقامة بعيدا عن العاصمة هذه التي قصدها كثيرون بحقائب خاوية وعقول ليس فيها الا بعض الخمور والمقولات الاستعراضية لمفكرين او سياسيين أو أدباء والتصقوا بمواقع القرار والتنفذ الثقافي وانخرطوا في لعب عديدة حتي بلغوا ما أرادوا ... 3 ظل مرابطا في الجريد حيث قلعة اخرى من قلاع الشعر الأصيل وتكبد المعاناة الشديدة ... معاناة الرسائل المتأخرة والبعيدة ككل المبدعين المقيمين في المناطق البعيدة ولكنه استطاع ان ينحت اسمه في ساحة الشعر التونسي والعربي واستطاع ان ينفذ الى الذاكرة ... من من جيلي نسي «أنا يا زينب طفل في اللعب لا أرغب»؟ هذا النشيد الطفولي الذي صنع مجدا ورددناه اطفالا ثم تلذذناه كبارا لانه بحق نشيد حماسي عن القضية الفلسطينية أرضعنا حب فلسطين وفتح اعيننا عن الجرح الفلسطيني ... ولعلي اتساءل اي قصيد او نشيد كتبه شاعر للقضية وكان اشد وقعا ... 4 في سنوات الطفولة كان «الجرح المسافر» في بيتنا ... انه كتاب لا اظن اوراقه جاوزت الثلاثين .. لون يميل الى الأحمر وصورة لشاعر ملتح ... موضة الشباب اَنذاك ... وكان الكتاب من اصدارات الاخلاء .. كنت اقرأ باعجاب ما فيه من عروبة ... يا زمنا كان العثور عن نص ادبي عن فلسطين يشكل حدثا .. للأسف ضاع مني الكتاب في الثانوية ولست اذكر لمن اهديته ... 5 مر الزمان والتقيته في سيدي بوزيد لكنه مرض بعد ذلك واختفى عن المشهد وتجدد الموعد حينما دعانا بلقاسم الحاج علي في ملتقى ادب الطفل وكانت مناسبة للحديث عن تجربته في ادب الطفل وقد اردت يومها تحية عمله اهازيج الذي يعد بحق انجازا تاريخيا في تاريخ ادب الطفل في بلادنا رغم ان المجال كان للحديث عن عمله الجديد أناشيد للوطن .. يومها تسلمت منه عمله الاخر «يتغمدني النشيد بالرماد» ولكن الايام اجلت الاطلاع المركز عليه وهو ما فرضته ظروف معينة طول الموسم الماضي حيث لم تتح الفرصة للقراءة او الكتابة ليلة كتابة هذا النص كنت اتمتع بقراءة هذا العمل الذي حرر رغبة الكتابة ... لقد عثرت في هذا العمل على ضالتي واستقام المحتوى النقدي بعد يأسي .. لقد فعلها كتاب الرداءة وجعلونا نقرأ بألم فلا نجد ما نكتبه عن اعمالهم او تجاربهم سوى كتابات ضعيفة جامدة .. ولكني الليلة ابتسمت ابتسامة عريضة ... ان الشعر مازال حيا وليس كل شعر يستحق الكتابة عنه .. وحدها التجارب الجادة تدفع الى الكتابة ولعل تجربة الهاني احداها ... انه النص الجدير بالقراءة والنقد بلا مبالغة وما على من يهمه الأمر الا ان يتذكر هذه الهامة الشعرية التي تستحق النقد لان نصها مازال يحافظ على طعم الشعر ورونقه...