تونس (الشروق) كشفت مؤخرا وسائل الاعلام الأميركية أن وثائق تخصّ الماضي العسكري للرئيس جورج بوش قد أتلفت أو أعدمت (لا فرق).. وردّ البيت الأبيض على وجه السرعة وكاد أن يحلف بأغلظ الإيمان أن هذا افتراء باطل لولا أن القسم لا يجوز في السياسة إلا عند القسم الدستوري. وبالطبع لم يكن أمام الجمهوريين من خيار إلا أن يقرّوا ما قاله البيت الأبيض.. فالطعن في ماضي بوش العسكري ليس في نظرهم إلا جزءا من حملة الخصم الديمقراطي العنيد «جون كيري» ومحاولة لضرب حظوظ الرئيس قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.. لكن وفي المقابل هناك من كذب الرواية ورفض أن ينطلي عليه هذا التبرير لأن اعدام جزء من ماضي رئيس أقوى دولة في العالم لا يمكن أن يكون دليل حسن نية حتى لو قدم البيت الأبيض أطنانا من الحجج والذرائع! واعتمد المكذبون في تكذيبهم على «سوابق» ادارة بوش الابن التي تراكمت وتضخمت الى أن زيّنت «النوايا الحسنة» للادارة الأمريكية غزو أفغانستان ثم العراق نيابة عن «الدول المحبة للسلام» لتخليص العالم من حلف طالبان بن لادن ومن صدام وأسلحة الدمار الشامل المزعومة وتمّ كل هذا تحت راية استئصال «الارهاب العالمي» وهو ما يبيح تأديب كل من تمرّد بعد وصمه بالارهاب أو بمساعدة «الإرهابيين».. وإذا كانت ادارة بوش قد نجحت في الحصول على تأشيرة دولية لضرب افغانستان واقصاء طالبان، فقد أخفقت في نيل تأشيرة مماثلة لغزو العراق.. لكن الغزو تمّ وكانت النتيجة اشعال حريق جديد بدل اطفاء آخر مشتعل.. ولم يعثر الامريكان على الأسلحة المحظورة المزعومة فعدّلوا ذرائعهم الى اسقاط نظام «خطير» ومصدر «تهديد عالمي».. وبرّأت ادارة بوش نفسها من أي «سوء نية» حين ذهبت عشية الغزو الى مجلس الأمن وقدمت أدلة وهمية تدين العراق بحيازة الأسلحة المحظورة. ومع كل ما حدث مازال بوش وحليفه البريطاني طوني بلير يعتقدان أو يتوهمان أنهما قدما خدمة عظيمة للعالم بغزو العراق واسقاط نظامه على الرغم من أن كل التحليلات تذهب في الاتجاه المعاكس تماما! والمؤكد أن الادارة الأمريكية الحالية تصرفت في معظم الأزمات التي اشتعلت (أو أشعلتها هي) منذ توليها السلطة قبل حوالي 4 سنوات بمنطق بعيد تماما عن حسن النوايا.. فإذا كان هذا الذي أنتجته سياسات ادارة بوش في العالم من موجات غضب ومعارضة واسعة حتى في الدول الغربية التي يفترض أنها حليفة للولايات المتحدة.. فماذا سيكون الحال لو أن هذه الادارة تعاطت مع كل الأزمات العالمية من منطلق سوء نية..؟ الأكيد أن الكارثة كانت ستكون أكبر وأشمل.. لكن هذا لا يمنع أيضا ان سياسات هذه الادارة انتجت في كل الأحوال كوارث ومصائب لا تمحوها النوايا الحسنة ولا غيرها..