مليار إنسان في العالم في عداد الجوعى.. 100 مليون يعانون من نقص في التغذية.. طفل يموت كل ست ثوان نتيجة سوء التغذية.. لوحة حالكة ولا شك في عالم يدير ظهره الى هذه المأساة الانسانية، وينفق الآلاف من مليارات الدولارات على الحروب العبثية التي تشن إرضاء لنزعات هيمنة عفا عنها الزمن..واشباعا لجشع ونهم منفلتين من اي عقل، او عقال... فإلى متى تستمر هذه المفارقة العجيبة؟ مفارقة أن يخيّر مليارات البشر بين الموت جوعا او الموت بالقنابل والصواريخ؟ هذه المفارقة، وهذه الأسئلة الحائرة نفض عنها الغبار وأعادها الى الواجهة مؤتمر القمة العالمي حول الامن الغذائي والوضع الغذائي في العالم... وهي مفارقة آن لها أن تنتهي وأسئلة آن للمجتمع الدولي أن يجد لها اجابات واضحة وجذرية. ففيما يسري تيار عولمة الاقتصاد وتدفق البضائع ورؤوس الأموال في سباق غير متكافئ بين دول متقدمة تمسك بناصية العلوم والتكنولوجيا وتوظف قدرات تقنية وفنية لا تضاهى في خدمة فلاحتها وتسخّر مقدرات طائلة لدعم فلاحتها وفلاحيها...وبين دول غارقة في الجوع والفقر والامراض والتهميش...يناضل البشر فيها بحثا عما يسدون به الرمق ويبقيهم على قيد الحياة... في هذا الوقت نجد الدول الغنية تزيد في عزل نفسها داخل جزر الرخاء لتعزل نفسها عن محيطات البؤس والجوع والحرمان... وتمعن في فرض القيود على تنقل البشر من جهة.. وفي ادارة ظهرها لواجباتها الاخلاقية ولالتزاماتها ازاء دول العالم الثالث... وفي طليعتها التزامها المتخذ في قمة الثمانية في جويلية 2009 والقاضي برصد 20 مليار دولار على امتداد 3 سنوات لدعم النشاط الفلاحي بالدول المتخلفة... وقد تجلى هذا النكوص او التلكؤ في غياب زعماء هذه المجموعة عن قمة روما وهو غياب لا يمكن ان يكون بريئا ولا مبررا وهو على أية حال يندرج في سياق عامل من السياسات الأنانية التي يأتيها كبار العالم والتي تجعلهم لا يفون بالتزاماتهم المقررة لمساعدة الدول المتخلفة على بناء تنمية متكاملة ومستدامة. ما الحل ازاء هذا الوضع وكيف نضع حدّا لأنانية وجشع الكبار؟ الجواب يأتي مجددا من تونس التي أعاد رئيسها يوم أمس في كلمته الى القمة رسم الطريق الى تجاوز الوضع الحالي وانقاذ مئات ملايين البشر من الضياع والتهميش.. وذلك حين دعا الى تفعيل الصندوق العالمي للتضامن لتمكينه من الاسهام في الحد من مظاهر الفقر والجوع في العالم.. والى الرفع من حجم المساعدات الانمائية الموجهة الى الدول النامية والى تشجيع الاستثمار في الفلاحة وفي البحث العلمي. انه صوت للحكمة ينطلق مجددا من تونس ليضيء درب الخلاص أمام الانسانية. صوت يفعّل قيم التضامن والتكافل والتآزر بين بني البشر لسد الطريق أمام أمراض الأنانية والجشع والاحتكار التي تستبد بكبار العالم وتدفعهم الى الانغلاق... متناسين ان الفقر والجوع والتهميش والاقصاء هي في نهاية المطاف تربة خصبة تفرّخ فيها ظواهر هدامة من قبيل التطرف والارهاب... وهي ظواهر تؤرق الجميع وتهدد السلم والأمن الدوليين...