أخبار تونس – ما يزال الفقر وسوء التغذية والجوع من المظاهر المؤلمة التي تؤرق شعوب العالم وخاصة في إفريقيا واسيا رغم ما في هذين الفضائيين من إمكانيات زراعية هائلة غير مستغلة الاستغلال الأمثل نتيجة الصراعات الداخلية والخارجية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على العمل الفلاحي الذي هو مصدر قوت الغالبية العظمى من السكان. فأوضاع الغذاء في العالم اليوم الذي بات قرية صغيرة ليست مطمئنة بدرجة كبيرة خاصة في مناطق الصراعات مما يجعلها تبعث على الانشغال والحيرة نتيجة تواصل ظاهرة الجوع في العديد من البلدان وتحفز الجميع غلى الاهتمام بالموضوع من كل جوانبه عبر تشجيع الاستثمار في الفلاحة وتطويرها على غرار ما تم إقراره في قمة الدول الإفريقية بمابوتو بالموزنبيق سنة 2003عندما تقرر تخصيص ما لا يقل عن 10 بالمائة من ميزانيات الدول الإفريقية لفائدة تنمية القطاع الفلاحي إلا أن هذا الجهد على أهميته يبقى بحاجة إلى الدعم والمساندة الفعلية من قبل الدول المانحة والجهات الممولة المدعوة إلى الرفع من حجم المساعدات الإنمائية الموجهة إلى الدول النامية أسوة بالقرارات الجريئة التي اتخذتها قمة مجموعة الثمانية خلال شهر جويلية الماضي والقاضية برصد عشرين مليار دولار على امتداد ثلاث سنوات لدعم النشاط الفلاحي بالدول المعنية بمشكلة الغذاء فيها. ولقد حملت الكلمة التي توجه بها رئيس الدولة إلى مؤتمر القمة العالمي حول الأمن والوضع الغذائي في العالم الملتئمة بروما عدة رؤى تحفز على معالجة الأوضاع في إطار إجماع تام بوجوب التصدي للظاهرة في عالم يفاخر فيه أثرياؤه دولا ومجموعات اقتصادية وأشخاص بقدرتهم الهائلة على تحقيق الكماليات وما شابهها في حين يشكو أطفال إفريقيا الجوع القاتل. لقد كانت قمة رومه مناسبة متميزة قدم خلالها الرئيس زين العابدين بن علي رؤيته الحية في قضية الأمن الغذائي باعتبار ذلك تحديا كبيرا للبشرية قاطبة وأحد أهم مقومات الاستقرار والتنمية في العالم. كما أتاحت هذه القمة التي تمثل امتدادا للقمتين السابقتين المنعقدتين تباعا سنتي 1996 و2002 الفرصة لدول العالم لتقويم ما تحقق في مجال الأمن الغذائي العالمي خاصة في ما يتعلق بالأهداف التي رسمت خلال القمة العالمية للأغذية وقمة الألفية للتنمية حتى تتخذ القرارات المناسبة والملائمة التي تساعد على دعم المنجز والرفع من نسقه و إرساء تنمية فلاحية مستدامة في كل أنحاء العالم خاصة بالمناطق الأكثر تضررا في إفريقيا وآسيا. وإن المجموعة الدولية على شدة وعيها بقضية الغذاء وتعقيداتها فإن الوضع بقي ملازما لمكانه ولم يتزحزح قيد أنملة. ولقد بلغ عدد السكان الذين يعانون من نقص في التغذية أرقاما خيالية قرابة مائة مليون نسمة لا يملكون حفنة قمح أو أرز يسكنون بها آلام الجوع في آن واحد يقرع جرس الحذر. إن ازدياد عدد الجياع بنسق مذهل وغير مسبوق حيث تجاوز عددهم المليار نسمة منهم نسبة كبيرة في إفريقيا الأرض الخصبة والعطشى. وقد زاد الارتفاع المشط لأسعار المنتجات الفلاحية الطين بلة وأعاق عديد البلدان عن توفير الغذاء الكافي لسكانها التي زادتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية استفحالا فضلا عن تقلص الاستثمارات الخارجية المباشرة في الفلاحة وانخفاض الطلب في الأسواق بدول الشمال على السلع والمواد من صادرات البلدان النامية لتعكر المناخ واضطرابه وما نتج عن ذلك من “خلل في توازن المنظومات البيئية والسياسات الزراعية مما يدعو إلى تكثيف الاستثمار في مجال البحث العلمي حتى يواكب هذه التغيرات ويوجد الحلول المناسبة لها. وإن في تجديد دعوة رئيس الدولة إلى تفعيل الصندوق العالمي للتضامن الذي اقترحه على الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم إقراره بالإجماع سنة 2002 لكي يسهم بدوره في الحد من مظاهر الفقر والجوع في العالم لبادرة جليلة وفاعلة في إرساء ثقافة التضامن بين شعوب الأرض كقيمة حضارية تحد بشكل آو بآخر من الفجوة الغذائية الحاصلة اليوم بين دول الشمال والجنوب. فالمنتظر اليوم من الدول الكبرى ذات الإمكانيات الاقتصادية الهائلة والخبرات والموارد المالية الضخمة هو المساهمة بفاعلية في ردم هوة الفقر والحد من نقص الغذاء وتفشي الجوع في جموع كثيرة من سكان الأرض ومحاربة الأمراض وتوظيف جزء من إقتصادياتها لفائدة الغذاء والتنمية الفلاحية في الدول الأكثر تضررا بالظاهرة حتى تستقيم بها السياسات الإنمائية ويشتد عودها. فهذه القمة فرصة سانحة لتقويم ما تم تحقيقه في مجال الأمن الغذائي العالمي في ما يتعلق بالأهداف التي رسمت خلال القمة العالمية للأغذية وقمة الألفية للتنمية حتى يمكن اتخاذ القرارات المناسبة التي تساعد على دعم الانجازات الحاصلة والرفع من نسقها وإرساء تنمية فلاحية مستدامة في كل أنحاء العالم كما جاء في كلمة الرئيس بن علي. كما يأمل العالم اليوم إلى أن تفضي المفاوضات الجارية في إطار المنظمة العالمية للتجارة حول تحرير تجارة المنتجات الفلاحية إلى فتح آفاق جديدة أمام الدول النامية للنفاذ إلى الأسواق الخارجية عبر شراكة فعلية وجادة من اجل فلاحة متطورة ومزدهرة وأمن غذائي شامل ودائم. وإن تحقيق الأمن الغذائي في تونس هو في صدارة أولويات البلاد حيث نفذت عبر مخططات تنموية مدروسة واستشرافية إصلاحات عديدة أبرزها ما تعلق بتحسين الأوضاع العقارية للمستغلات الفلاحية وحفز الاستثمار الفلاحي وتطوير مؤسسات البحث والإرشاد والتكوين والنهوض بحياة السكان بالمناطق الريفية ودعم دور المرأة التنموي في هذه المناطق مع تعبئة الموارد المائية وترشيد استعمالها وإقامة شبكة من السدود والبحيرات الاصطناعية. وقد سجلت تونس نتائج متميزة في القطاع الفلاحي فبلغ معدل النمو 3 بالمائة في السنوات الأخيرة وحافظ قطاع الفلاحة على مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12 بالمائة وتعزز دوره في النمو الاقتصادي وفي خفض نسبة الفقر إلى 3 فاصل 8 بالمائة بعد أن كانت في حدود 12 بالمائة خلال الثمانينات فضلا عن رفع معدلات الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي لمواطنيها. فحرص تونس شديد على دعم التعاون والتضامن الدوليين من أجل تجسيم الأهداف الطموحة التي رسمتها المجموعة الدولية وفي مقدمتها الأمن الغذائي باعتباره غاية إنسانية مصيرية تخدم السلام الدولي وتستوجب تكثيف الجهود وتنسيق البرامج من أجل تعزيز الآليات الكفيلة بمواجهة الأزمات الغذائية الطارئة تحقيقا للاستقرار والتنمية في العالم وبعيدا عن كل حمائية وأنانية غير مرغوب فيها اليوم أو غدا.