"حراك 25" يناشدرئيس الدولة الترشّح لانتخابات 2024    شملت شخصيات من تونس..انتهاء المرافعات في قضية "أوراق بنما"    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    هيئة الدّفاع عن المعتقلين السّياسيّين: خيّام التركي محتجز قسريا وهذه خطواتنا القادمة    غارة جوية تستهدف موقعا عسكريا لقوات الحشد الشعبي في العراق    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    طقس السبت: رياح قوية والحرارة بين 18 و28 درجة    الصين تعلن تشكيل قوة عسكرية سيبرانية جديدة    يستقطب قرابة نصف اليد العاملة.. مساع مكثفة لإدماج القطاع الموازي    أميركا توافق على سحب قواتها من النيجر    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    فشل مجلس الأمن في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين: هذا موقف تونس    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    تفاصيل القبض على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضراوة الواقع وإصرار العزيمة
نشر في الشروق يوم 19 - 12 - 2009

من شهر ديسمبر 1956 الى شهر ديسمبر 2009 تكون قد مرّت 53 سنة. ففي هذا الشهر وفي يوم 23 ديسمبر 1956 تم رحيل آخر جندي انقليزي من الذين ساهموا في الاعتداء الثلاثي على مصر. اعتداء بدأته اسرائيل يوم 31 أكتوبر 1956.
احتلت الدبابات الاسرائيلية سيناء للمرة الاولى تبعتها الغارات الجوية البريطانية والفرنسية.
لذا فيوم 23 ديسمبر لن يكون يوما كغيره فهو يمثل ذكرى تثلج صدر كل عربي آمن بأن الارادة تكون أحيانا أقوى من السلاح (كانت مصر حديثة العهد بالاستقلال والتسلح وكانت فرنسا وبريطانيا واسرائيل) ترسانة متنقلة من الذخيرة والسلاح ومع ذلك تمت المواجهة وبدأت المقاومة الشعبية التي أذهلت العالم بجهودها وتمسكها بالأرض ومساندة النظام الذي اختار السيادة منهجا وطريقا فلم يتزعزع ولا حاول الاستسلام رغم ضراوة العدوان.
أول هدف للعدوان الثلاثي لم يكن مجرد محاولة لاستعادة القناة بل الدافع الاول كان محاولة كسر عزيمة النظام وادخال البلبلة في صفوف الشعب فيدفعه الرعب للانقلاب على هذا النظام الذي يمثله البكباشي الشاب جمال عبد الناصر.
ربما انتصر الشعب في ما فشلت فيه جميع الانظمة الغربية والعربية، إلتف الشعب حول قائده وسطع نجم عبد الناصر ليصبح بطل العروبة المنتظر ورجل القرن العشرين.
يوم 26 جويلية 1956 وفي زحمة أفراح الثورة وقف الزعيم جمال عبد الناصر في ساحة المنشية بالاسكندرية ليعلن عن تأميم قناة السويس كشركة بحرية مصرية. قال ذلك بكل ثقة وشموخ وقف ناصر في ساحة المنشية ليعلن على الملإ تأميم قناة السويس الكل كان يشعر بأن الخطاب يخفي مفاجأة لكن لا أحد تصوّر أن المفاجأة ستكون بذاك الحجم فقناة السويس كما يعلم الجميع أصبحت دولة داخل دولة ولا أحد يستطيع أن يتحدى الطوق الحديدي الذي كانت بريطانيا وفرنسا تمسكان به لكن الصاعقة نزلت اهتز (جي موليه) في فرنسا وكاد (إيدن) يجن في دوائر ستريت. أذهلت المفاجأة العالم كله غير الشعب المصري فقد كان ينتظر المزيد من التحدي من قائده من أجل سيادة مصر وكرامة شعب مصر. عاش ناصر طوال حياته يفكر في شعبه محاربا من أجل العرب والعروبة. لم يفكر يوما في نفسه أو مصلحته كانت حياته كلّها ملك العرب والعروبة. ساند الجزائر كما ساند جميع الدول الافريقية الحالمة بالاستقلال. لكن حركة التأميم أكانت رغبة في استرداد حق ضائع منذ أكثر من مائة سنة أم هو التحدي المريع لأمريكا التي تراجعت عن وعدها برفضها تمويل مشروع بناء السد العالي أم هو بكل بساطة صفقة للبنك الدولي الذي رفض الطلب المقدم من مصر من أجل بناء السد العالي. كانت دوافع الرفض واضحة تعجيز مصر ودفعها رغما للخضوع لشروط الدول الكبرى أمريكا بريطانيا وفرنسا.
رد غير منتظر من شعب مازال يبحث عن نفسه تحت انقاض الاستعمار والملكية العابثة.وقد وصل الملك والبلد على شفة الهاوية لكن ناصر رجل المهام الصعبة عرف كيف يدفع بقاربه وينجو من الغرق رغم الأحلاف والمؤامرات. كان يؤمن أن الحق لا يعود الا بالتضحية لا بالخضوع وقد ضحى الشعب المصري بالكثير من أجل القناة. فقد مات 120 ألف شاب مصري أثناء عملية حفر القناة. سالت الدماء المصرية قبل ان تسيل المياه في القناة. حقا كانت قناة السويس أعظم انجاز.
قام به المهندس (فردنان دي ليسبس) غنيمة دسمة للغرب وموت عاجل للشباب المصري الذي ظلل بأن قيل له أنه ذاهب للعمل في السخرة . وقد عاد القليل ومات الكثير دون أن يعرفوا لماذا ذهبوا ولا لماذا مات منهم الكثير.
اختلطت دموع الثكالى بأصداء موسيقى الافتتاح الذي كان فخما وكان به كضيوف جل مشاهير العالم، حتى الملكة (أو جني) زوجة امبراطور فرنسا نابليون.
من أجل الافتتاح بنيت دار الأوبرا المصرية الاولى التي احترقت في أوائل السبعينات وبقيت أسباب الحريق غامضة وإن كانت الاغلبية عليمة بالسبب الحقيقي لهذا الحريق، بعد اعلان قرار التأميم وفشل لجنة (منزيس) الآتية للتفاوض لم يبق أمام بريطانيا وفرنسا غير الحرب.
إعتقد البلدان أنها ستكون عملية ردع للنظام الثائر: الخضوع او الموت.
وكعادة صلاح سالم (أحد الضباط الاحرار) واندفاعه الأهوج دفع به الذعر فطلب من ناصر الاستقالة وتسليم نفسه للسفارة البريطانية. رد عليه ناصر بكل هدوء وثقة: أنا أتحمل المسؤولية وحدي وليس من حق أحد محاسبتي غير شعبي.
معركة غير متكافئة لكن المقاومة الشعبية وبسالتها في الصمود أكبر صفعة للاستعمار، انتصر أبطال بورسعيد والسويس على أخطر الدول الاستعمارية.
لم يكن (ديفيد بن غريون) طرفا في النزاع ولا في ملكية القناة فلماذا جعل نفسه طرفا في الاعتداء. تم الانسحاب من سيناء كما انسحب بن غريون من الوزارة.
ترك (أنطوني إيدن) داونغ ستريت ولم تكن هزيمة (جي موليه) في فرنسا أقل مرارة من هزيمة إيدن وبن غريون كان الأعداء ينتظرون رحيل هذا البكباشي القوي الشكيمة المتعصب للحق والكرامة فإذا به يصبح بطل العروبة ورجل القرن العشرين.
يبقى يوم 23 ديسمبر يوم النكبة الاستعمارية وانتصار المقاومة الشعبية وإن كانت القوى غير متكافئة فالعزيمة المصرية كانت أقوى من أيّ سلاح توجهه أيدي الباطل لشعب مسالم لم يطلب غير أرضه وحقه.
من البداية آمن ناصر بأن ضراوة الواقع الاستعماري لن تحطم الحلم إن كانت العزيمة مصرّة على تحقيق هذا الحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.