عاجل/ حصيلة صادمة لحالات الإختناق في غنّوش ومطالب بالتحقيق والمحاسبة    عاجل: النقل الريفي حاضر باش يسهّل عالزواولة....1500 تلميذ باش ينتفعوا بالبرنامج الجديد...كيفاش؟    لقاء تونسي مصري لتباحث الإمكانيات المتاحة في مجال التعاون جنوب-جنوب    اعتقال حوالي 200 شخص في فرنسا.. #خبر_عاجل    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي في التصنيف العالمي الجديد    بطولة كرة اليد: تعديل في برنامج الجولة الخامسة لبطولة كرة اليد    عاجل/ وفاة عامل بناء في حادث مأساوي    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    صفاقس: مسيرة سلمية لمختلف أسلاك التربية للدفاع عن الحق النقابي    صفاقس: إمكانية حصول إضطراب على مواعيد سفرات اللود بين صفاقس وقرقنة    اليوم: مسافرين لفرنسا حضروا رواحكم... اضطرابات في الرحلات    عاجل: تقلبات جوية مُنتظرة بجندوبة والحماية المدنية تُحذّر وتُوصي بهذه الإجراءات    بعد الظهر اليوم: أمطار غزيرة قي المناطق هذه ورياح شديدة تتجاوز 80 كلم/س    بورصة تونس تتوج بجائزة افضل بورصة افريقية في نشر الثقافة المالية    مدينة دوز تحتضن الدورة ال57 للمهرجان الدولي للصحراء من 25 الى 28 ديسمبر المقبل    الديوان التونسي للتجارة يُوفّر كميّات من مادة القهوة الخضراء    قرار وزاري: منع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر تحتوي على هذه المادة    هدفنا العودة الى مصاف النخبة رغم قلة التحضيرات ونقص الموارد المالية (الناطق الرسمي لاتحاد تطاوين)    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    إنتقالات: النجم الساحلي يتعاقد مع مدافع دولي كيني    تصفيات مونديال 2026 : منتخب مصر يتعادل سلبيا مع بوركينا فاسو    مبابي يتألق في انتصار فرنسا على أيسلندا بتصفيات كأس العالم    إصدار قرار بالرائد الرسمي يمنع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر المحتوية على حامض الج&65276;يوكسيليك    رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان يصل إلى الدوحة    الزهروني : محاصرة مجرم خطير محل 33 منشور تفتيش ومحكوم ب60 سنة سجنا    عاجل/ خبير أمني يفجرها ويكشف طريقة استهداف سفينتي أسطول الصمود..    المفوضية الأوروبية:"سنُعلق دعم إسرائيل وفرض عقوبات ضد عدد من وزرائها"    جلسة عمل في وزارة الصحة حول المخبر الوطني للجينوم البشري    الزهروني: شاب يفقد عينه في معركة بين مجموعة شبان    بداية من اليوم: إعادة استغلال خط المترو رقم 3    بشرى سارة للتونسيين: انخفاض الحرارة يفرّح سكان المرتفعات والشمال    عاجل: اليقظة الصفراء في كل الولايات باستثناء ولاية القصرين    عاجل/ أول تصريح لوزير الدفاع الاسرائيلي على هجوم الدوحة.. وهذه شروط إنهاء حرب غزة..    تونس تدين الاعتداء الغادر على قطر    وزير الخارجية الإيراني في زيارة عمل إلى تونس    وصفوه ب"هتلر عصرنا".. مؤيدون لفلسطين يقاطعون عشاء ترمب في واشنطن    بعد اندلاع النيران في سفينة ضمن أسطول الصمود.. الحرس البحري يتدخل    مسرحية «رجوم» صيحة فزع طفولية لإنقاذ البيئة    أولا وأخيرا...برك الجمل بما حمل    نحو سيادة صحية رقمية: مشروع المخبر الوطني للجينوم البشري في تونس يدخل حيّز المتابعة    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: نعيينات حكام مباريات الجولة الخامسة    المسرحي التونسي معز العاشوري يتحصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    عاجل/ اضطرابات في رحلات "تونيسار" من وإلى فرنسا    طقس الليلة: سحب رعدية مع أمطار أحيانا غزيرة بالشمال    رعاة سمّامة في مسرح الحمراء    بداية من الغد: عودة جولان خط المترو رقم 3    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    عاجل/ متابعة للوضع الجوي خلال الساعات القادمة..    تونس في الواجهة: محمود عباس يكرّم كوثر بن هنية عن فيلم "صوت هند رجب"    ال '' Climatiseur'' تحت الاختبار! نصائح لضبطه مع سخانة ورطوبة طقس تونس اليوم    7 ساعات نوم يوميًا خير من 30 دقيقة رياضة... تعرف علاش!    تظاهرة علمية مفتوحة للجميع يوم 20 سبتمبر بمدينة العلوم بمناسبة اليوم العالمي لمرض الزهايمر    بيكين تستضيف المنتدى الدولي حول دعم التعاون في مجال الانتقال الطاقي    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضراوة الواقع وإصرار العزيمة
نشر في الشروق يوم 19 - 12 - 2009

من شهر ديسمبر 1956 الى شهر ديسمبر 2009 تكون قد مرّت 53 سنة. ففي هذا الشهر وفي يوم 23 ديسمبر 1956 تم رحيل آخر جندي انقليزي من الذين ساهموا في الاعتداء الثلاثي على مصر. اعتداء بدأته اسرائيل يوم 31 أكتوبر 1956.
احتلت الدبابات الاسرائيلية سيناء للمرة الاولى تبعتها الغارات الجوية البريطانية والفرنسية.
لذا فيوم 23 ديسمبر لن يكون يوما كغيره فهو يمثل ذكرى تثلج صدر كل عربي آمن بأن الارادة تكون أحيانا أقوى من السلاح (كانت مصر حديثة العهد بالاستقلال والتسلح وكانت فرنسا وبريطانيا واسرائيل) ترسانة متنقلة من الذخيرة والسلاح ومع ذلك تمت المواجهة وبدأت المقاومة الشعبية التي أذهلت العالم بجهودها وتمسكها بالأرض ومساندة النظام الذي اختار السيادة منهجا وطريقا فلم يتزعزع ولا حاول الاستسلام رغم ضراوة العدوان.
أول هدف للعدوان الثلاثي لم يكن مجرد محاولة لاستعادة القناة بل الدافع الاول كان محاولة كسر عزيمة النظام وادخال البلبلة في صفوف الشعب فيدفعه الرعب للانقلاب على هذا النظام الذي يمثله البكباشي الشاب جمال عبد الناصر.
ربما انتصر الشعب في ما فشلت فيه جميع الانظمة الغربية والعربية، إلتف الشعب حول قائده وسطع نجم عبد الناصر ليصبح بطل العروبة المنتظر ورجل القرن العشرين.
يوم 26 جويلية 1956 وفي زحمة أفراح الثورة وقف الزعيم جمال عبد الناصر في ساحة المنشية بالاسكندرية ليعلن عن تأميم قناة السويس كشركة بحرية مصرية. قال ذلك بكل ثقة وشموخ وقف ناصر في ساحة المنشية ليعلن على الملإ تأميم قناة السويس الكل كان يشعر بأن الخطاب يخفي مفاجأة لكن لا أحد تصوّر أن المفاجأة ستكون بذاك الحجم فقناة السويس كما يعلم الجميع أصبحت دولة داخل دولة ولا أحد يستطيع أن يتحدى الطوق الحديدي الذي كانت بريطانيا وفرنسا تمسكان به لكن الصاعقة نزلت اهتز (جي موليه) في فرنسا وكاد (إيدن) يجن في دوائر ستريت. أذهلت المفاجأة العالم كله غير الشعب المصري فقد كان ينتظر المزيد من التحدي من قائده من أجل سيادة مصر وكرامة شعب مصر. عاش ناصر طوال حياته يفكر في شعبه محاربا من أجل العرب والعروبة. لم يفكر يوما في نفسه أو مصلحته كانت حياته كلّها ملك العرب والعروبة. ساند الجزائر كما ساند جميع الدول الافريقية الحالمة بالاستقلال. لكن حركة التأميم أكانت رغبة في استرداد حق ضائع منذ أكثر من مائة سنة أم هو التحدي المريع لأمريكا التي تراجعت عن وعدها برفضها تمويل مشروع بناء السد العالي أم هو بكل بساطة صفقة للبنك الدولي الذي رفض الطلب المقدم من مصر من أجل بناء السد العالي. كانت دوافع الرفض واضحة تعجيز مصر ودفعها رغما للخضوع لشروط الدول الكبرى أمريكا بريطانيا وفرنسا.
رد غير منتظر من شعب مازال يبحث عن نفسه تحت انقاض الاستعمار والملكية العابثة.وقد وصل الملك والبلد على شفة الهاوية لكن ناصر رجل المهام الصعبة عرف كيف يدفع بقاربه وينجو من الغرق رغم الأحلاف والمؤامرات. كان يؤمن أن الحق لا يعود الا بالتضحية لا بالخضوع وقد ضحى الشعب المصري بالكثير من أجل القناة. فقد مات 120 ألف شاب مصري أثناء عملية حفر القناة. سالت الدماء المصرية قبل ان تسيل المياه في القناة. حقا كانت قناة السويس أعظم انجاز.
قام به المهندس (فردنان دي ليسبس) غنيمة دسمة للغرب وموت عاجل للشباب المصري الذي ظلل بأن قيل له أنه ذاهب للعمل في السخرة . وقد عاد القليل ومات الكثير دون أن يعرفوا لماذا ذهبوا ولا لماذا مات منهم الكثير.
اختلطت دموع الثكالى بأصداء موسيقى الافتتاح الذي كان فخما وكان به كضيوف جل مشاهير العالم، حتى الملكة (أو جني) زوجة امبراطور فرنسا نابليون.
من أجل الافتتاح بنيت دار الأوبرا المصرية الاولى التي احترقت في أوائل السبعينات وبقيت أسباب الحريق غامضة وإن كانت الاغلبية عليمة بالسبب الحقيقي لهذا الحريق، بعد اعلان قرار التأميم وفشل لجنة (منزيس) الآتية للتفاوض لم يبق أمام بريطانيا وفرنسا غير الحرب.
إعتقد البلدان أنها ستكون عملية ردع للنظام الثائر: الخضوع او الموت.
وكعادة صلاح سالم (أحد الضباط الاحرار) واندفاعه الأهوج دفع به الذعر فطلب من ناصر الاستقالة وتسليم نفسه للسفارة البريطانية. رد عليه ناصر بكل هدوء وثقة: أنا أتحمل المسؤولية وحدي وليس من حق أحد محاسبتي غير شعبي.
معركة غير متكافئة لكن المقاومة الشعبية وبسالتها في الصمود أكبر صفعة للاستعمار، انتصر أبطال بورسعيد والسويس على أخطر الدول الاستعمارية.
لم يكن (ديفيد بن غريون) طرفا في النزاع ولا في ملكية القناة فلماذا جعل نفسه طرفا في الاعتداء. تم الانسحاب من سيناء كما انسحب بن غريون من الوزارة.
ترك (أنطوني إيدن) داونغ ستريت ولم تكن هزيمة (جي موليه) في فرنسا أقل مرارة من هزيمة إيدن وبن غريون كان الأعداء ينتظرون رحيل هذا البكباشي القوي الشكيمة المتعصب للحق والكرامة فإذا به يصبح بطل العروبة ورجل القرن العشرين.
يبقى يوم 23 ديسمبر يوم النكبة الاستعمارية وانتصار المقاومة الشعبية وإن كانت القوى غير متكافئة فالعزيمة المصرية كانت أقوى من أيّ سلاح توجهه أيدي الباطل لشعب مسالم لم يطلب غير أرضه وحقه.
من البداية آمن ناصر بأن ضراوة الواقع الاستعماري لن تحطم الحلم إن كانت العزيمة مصرّة على تحقيق هذا الحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.