رغم مرور نحو سبعة أشهر على الانتخابات الرئاسية الايرانية التي أثارت كثيرا من الجدل لم تهدأ العاصفة في هذا البلد وتحولت معظم المناسبات الدينية والوطنية إلى محافل تديرها المعارضة بامتياز وترفع فيها الأصوات المندّدة بسياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد، بل والمشككة في شرعيته، فهل تؤشر هذه الاضطرابات الداخلية على بداية نهاية الثورة أم أنها تحرك نابع من الداخل لتصحيح مسار الثورة واحداث شيء من التغيير على واقع الحال، أم أن هناك أطرافا خارجية تدفع هذا الحراك بهدف إضعاف النظام من الداخل لتحقيق أكثر من هدف عجزت عنه العقوبات والتلويح بالخيار العسكري؟ الثابت أن إيران تواجه مع نهاية هذا العام اختبارا صعبا وتعيش واقعا لم تعهده منذ قيام ثورتها قبل ثلاثين عاما: جماهير تنزل إلى الشارع بالآلاف ولا تزال حتى الساعة تتساءل أين ذهبت أصواتها في الانتخابات، ولا تأبه لتحذيرات المرشد الأعلى علي خامنئي ولا لتأييده الصريح لانتخاب نجاد واصطفائه، بل وأكثر من ذلك وصل الأمر بهذه الجماهير الغاضبة إلى تمزيق صورة مؤسس الدولة الحديثة وقائد الثورة آية اللّه الخميني، وفي ذلك أكثر من مغزى.. إنه أمر خطير يدعو إلى التدبر والتفكير في ما ستؤول إليه الأوضاع في إيران في ضوء هذه التجاذبات الداخلية التي رافقتها ضغوط خارجية رهيبة على خلفية البرنامج النووي الايراني. ولا شك أن النظام في طهران يقف اليوم أمام تحدّ صعب اعتبارا لحساسية الوضع الداخلي ولخطورة الوضع الخارجي الذي أفرزته سياسة الهروب إلى الأمام والاستخفاف بالتهديدات الغربية. فالمعارضة لم يهدأ لها بال وبدا أنها ماضية في مشروع إضعاف النظام وعرقلة عمله حتى ينتهي به الأمر الى الانهيار ومما زاد في قناعة المعارضة بضرورة المضي في هذا النهج ردّ الفعل القاسي للسلطات الايرانية التي تسعى بكل الوسائل الى قمع المظاهرات ومنع التجمّعات ولجم الأفواه والتضييق على وسائل الاعلام الاجنبية ومنعها من نقل ما يجري على الارض... هذه السياسة زادت من رغبة الأصوات المعارضة في التغيير، ورغم ان زعيم المعارضة الخاسر في الانتخابات، مير حسين موسوي كان حريصا على إظهار ولائه للثورة ومبادئها كحرصه على تحريك الشارع ضد النظام فإن أهداف هذه التحركات قد تتجاوز مجرد إدانة سياسات نظام نجاد والسعي الى تصحيح مسار الدولة والثورة مع ظهور فئات عبّرت عن غضبها وسخطها على هذا المسار بإقدامها على تمزيق صورة الخميني، وبصرف النظر عما اذا كانت تلك الفئات محسوبة على المعارضة أم لا. وأيّا كانت الدوافع والخلفيات فإن ما يجري في ايران اليوم من غليان يتقاطع مع أهداف غربية رسمتها واشنطن وحلفاؤها للتعامل مع طهران. وبصرف النظر عن ضلوع واشنطن في تحريك الشارع وافتعال الاحتجاجات والاضطرابات وتقوية المعارضة من عدمه فإن للغرب مصلحة عليا في تفكّك الوحدة الايرانية وانفضاض الايرانيين من حول رئيسهم الذي لا يدع مناسبة دون الاستهزاء بما يخطّط له الغرب من تشديد العقوبات وما تدبّر له اسرائيل من عدوان عسكري محتمل... من مصلحة الغرب أن يضعف النظام من الداخل لأن ذلك يعفيه من التبعات الاخلاقية والعبء المالي واللوجستي لأي تدخّل عسكري لاسقاط النظام أو «تغيير سلوكه» أو دفن برنامجه النووي في المهد قبل أن يتضخّم ويكبر ويشتدّ عوده. للغرب مصلحة، وربّما يد، في كل ما يجري في ايران لأن له تاريخا في صنع الثورات وفي دعم وتمويل المعارضات وفي الثورة على الأنظمة وحتى على الثورات.