على قدر ما شهده العالم من تطور اقتصادي كبير خلال العقود الأخيرة من الزمن بقدر ما أجمع العلماء والمختصون على إمكانية حدوث كوارث بيئية خطيرة جرّاء التغييرات المناخية وارتفاع نسبة معدّل درجات الحرارة في العالم جعلهم يطلقون صيحة فزع في المدة الأخيرة مطالبين الدول بإنقاذ العالم واعتبارها الفرصة الأخيرة لهم بالمحافظة على التوزان البيئي هذا ما جعل مليارات من الناس اتجهت أنظارها لقمّة كوبنهاغن الأخيرة التي انتظمت بالدنمارك وبحضور ممثلي 192 دولة لتدارس هذا الخطر المحدّق بنا. مقاربة تونسية جيّدة في هذا المجال إذن دقت نواقيس الخطر في سائر أرجاء المعمورة وتعالت أصوات المنظمات غير الحكومية والجمعيات المهتمة بمجال البيئة والمحافظة عليها للإسراع في إنقاذ ما حباه الله علينا عزّ وجل وعلى هذا الكوكب البشري من مقومات سليمة للحياة وجب علينا جميعا حمايتها وتأمينها للأجيال القادمة وهو ما أدّى إلى ظهور العديد من الجمعيات بسائر دول العالم والتي تعمل في ميدان التحسيس بالمخاطر المنجرّة عن هذا الكم الهائل من التلوث الصناعي الذي أضرّ بالطبقة الحمائية للكون. ومن هذا المنطلق تعتبر تونس من الدول الأوائل التي اهتمت بهذا المجال من خلال ما أولاه سيادة رئيس الجمهورية من عناية ومتابعة فائقة لهذا الموضوع حيث بادرت تونس إلى الإسراع في إمضاء كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة ومنها المصادقة على بروتوكول «كيوتو» إضافة لإحداث وزارة مختصة في البيئة والتنمية المستديمة انبثق عنها عدة آليات وهياكل وطنية إدارية ودراسية ومراكز للبحوث تشرف على وضع استراتيجية وطنية للبيئة ساهمت في قطع أشواط متقدمة في هذا الميدان من خلال سن القوانين والعمل على حماية البيئة للحد من أخطار التلوث الصناعي وتشجيع أصحاب المؤسسات والمستثمرين على الإقدام في اقتناء التجهيزات المرفقة بالبيئة ومعالجة النفايات الملوثة والحرص على إزالة مظاهر التلوث الهوائي بالمدن الكبرى جعلت الخبراء الدوليين يقدرون هذه المكاسب ويعتبرونها رائدة مقارنة بعدة دول متقدمة. وما من شك إننا في تونس أصبحنا نتجه نحو الصناعة النظيفة حيث المصادقة على الدراسات المتعلقة بالمشاريع الكبرى أصبحت رهينة قرار الوكالة الوطنية لحماية المحيط إضافة لما تم إقراره من إجراءات رائدة منها إحداث جائزة سيادة رئيس الجمهورية لحماية البيئة تسند سنويا في إطار الاحتفال باليوم الوطني للبيئة والمحافظة على المحيط. تفعيل نشاط النوادي البيئية بمؤسسات التعليم العالي بالرغم من استغلال المنظومة التربوية لتمرير المناهج التربوية المتعلقة بالعناية بالبيئة وحماية المحيط ضمن بداية مراحل التعليم وما اتخذته الدولة من إجراءا لتشجيع المؤسسات الجامعية على إحداث نوادي علمية متعلقة بهذا المجال فإن النتائج لم ترتق إلى الطموحات مقارنة بما حققته تونس في هذا الميدان نظرا لبقاء نشاط هذه النوادي محدودا وداخليا نتيجة عدم وجود معلومات وأبحاث ودراسات علمية مرئية وموثقة في الكتب والمجلات والصحف إضافة لنقص الخبرات في هذا المجال والتي بإمكانها تنشيط هذه النوادي وترغيب الشباب الطالبي في الإقبال عليها غير أن الوضع يفرض على مؤسسات التعليم العالي بدعم هذه الأنشطة واستهدافها بتوفير مستلزمات العمل وتشجيع أنشطتها من خلال الانفتاح على المحيط وتنمية القدرات الطالبية بتبني البرامج المتصلة بهذا الميدان وإقامة شراكة مع المنظمات والجمعيات المعنية مع توفير الوسائل وإقامة الندوات والمحاضرات بصفة دورية لدفع هذه الشريحة الطالبية للوقوف على خطر التغييرات المناخية وجعلها تؤمن وتساهم في القيام بدور فعّال للحد من أخطار التلوث البيئي والانخراط في حماية الكون. كيفية الارتقاء بهذا النشاط يبقى الخيار رهين الإرادة في الارتقاء بهذه الخلايا وتفعيل دورها داخل المؤسسات الجامعية وانفتاحها على المحيط من خلال شراكة تجمع بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ووزارة البيئة والتنمية المستديمة وعدة أطراف معنية كالمنظمات والجمعيات للبحث في سبل دعم هذه النوادي ومدها بالمعلومات الحديثة وإعداد النشريات وتوفير الأشرطة الوثائقية والعلمية مع إعداد برامج سنوية تهتم بأحد عناصر هذا المجال ولمزيد توفير النجاح فإن المنافسة تبقى خير حافز لتنشيط هذه النوادي من خلال إحداث المسابقات السنوية المتعلقة بالبحوث وإعداد الأشرطة والصور والرسوم يقع على إثرها تتويج النوادي المتألقة إضافة لإمكانية تنظيم ملتقى وطني سنويا لفائدة الطلبة المنخرطين بهذه النوادي قصد تبادل المعلومات والتجارب واستضافة بعض الخبراء في هذا الميدان لإبراز وتقديم مستجدات الوضع البيئي وطنيا ودوليا. وأعتقد أن الهدف من وراء ذلك يكمن في ترغيب الطلبة وتحسيسهم بأهمية المحافظة على البيئة والتحول من حالة عدم اللامبالاة إلى المشاركة في الحد من أخطار التلوث وما ينجرّ عنه من كوارث تحدّق بالعالم. المحافظة على البيئة أمانة لدى الشباب لقد راهن سيادة رئيس الجمهورية على الشباب إيمانا منه بأن رعايتهم وإشراكهم في أهم القضاي الوطنية تعد عملية استثمارية على المدى البعيد ليكون عائد هذا الاهتمام والرعاية عطاء سخيا على شكل خبرات بشرية تصبح بحق ثروة للوطن حاضرا ومستقبلا وتواصلا في رسم ملامح الامتياز وتضمن لتونس مكانة رفيعة تنافس عدة دول متقدمة في المجال البيئي وتهدف إلى ترسيخ قيم جديدة مبنية على حق الوفاء لكوكبنا البشري وثقافة ترفض الضرر للكائنات الحية على الأرض. إن الشباب سيكون أمام مسؤولية كبرى في مجال البيئة وامتحان عسير يدعوهم للانصهار ضمن العمل الجمعياتي ويدفعهم للمحافظة والمساهمة في إنقاذ العالم من هذا التلوث الفتّاك الذي لا ينجو من عواقبه أحد. والشباب هم أمس الأمّة في طفولتنا وهم حاضرها في عنفوانها وهم غدها في حمايتها. محمد الهمامي المبيت الجامعي تنيور صفاقس