عندما طلبت من مجموعة الأطفال من 9 إلى 15 سنة أن يبدوا اراءهم في واقع العلاقة الحالية بينهم وبين المربين وكيف يتصورونها أو يرجونها أن تكون؟ وعن ارائهم في ما يحصل الآن من توتر في علاقة بعض الصغار بالمربي والمدرسة عموما. كنت أنتظر أن تنهال عليّ الآراء والملاحظات والمقترحات، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. تعلّلت في البداية بفكرة الخوف من نشر ما سيقال وإذاعته بين الأصحاب، فشرحت لهم أنني سوف لن أربط الاسم بصاحب المقال أو الصورة إلا بعد موافقته، اطمأنوا قليلا وانطلقوا في الحديث شيئا فشيئا.. فلاحظت أن هؤلاء الصغار على اختلاف أعمارهم يكتفون بسرد الأحداث والوقائع التي حدثت لهم أو لغيرهم في الفصل أو المدرسة أو المعهد ولا يستطيعون إبداء ارائهم أو نقد ما حدث ويكتفون بأن ينعتوه بالسيء أو بالحسن... وهذا يدل على أنهم كانوا يحاولون إرضائي وإرضاء المجتمع من ورائي بأن يسنوا نفس المقاييس الأخلاقية السائدة والمطولة: الطاعة الكبار لا يخطئون الصغار لا يعرفون والكبار هم الذين يعرفون... ومن واجب الأطفال في هذه الحال أن يحتفظوا بآرائهم الحقيقية لأنفسهم. وقد ذكّرني موقفهم بموقف الكبار عند ملاقاة مسؤوليهم أو رؤسائهم المباشرين فإذا ما سألوهم عن وضع فإن الإجابات تكون عادة كل ما يرضي ذلك المسؤول ويرجع له صدى ما يقوله أو حتى ما لم يصرّح به مما يتوقع أن يتصوره عن هذه المؤسسة أو تلك من وضع مثالي. وقد رأيت ذلك حتى في بعض الاستشارات الوطنية قليل من يخرج عن القراءة الرسمية للواقع وقليل من يؤمن بأن رأيه مهم ومفيد لأخذ القرار لأنه يمثل الجانب المعيشي للأمر ولأنه كذلك رأي المعني بالأمر ولأنه يمثل فكرا مختلفا ورأيا مغايرا بمعنى مثريا... عندما نمضي قليلا في تحليلنا لهذه الحالة الذهنية التي تعبّر عن نوع من الاستقالة الفكرية بمعنى عدم التساؤل، عدم إعمال العقل، عدم التفكير أصلا. وبالمقابل يعبر الكثير من هؤلاء عن كثير من التذمر والتشكي، دون اقتراح أي حلول، أو إبداء أي استعداد للتعاون للخروج من الوضع، وهناك بالتأكيد أسباب مختلفة لهذه الظاهرة. ألا تكون التربية التي يتلقاها الفرد وبالأخص المدرسية منها هي أحد أسباب هذه الحالة من العزوف عن التفكير وإعمال العقل في الأمور. وبما أن الجيل النشيط الحالي اليوم والأجيال الموالية له هي في جلها إن لم نقل كلها نظرا لتعميم التعليم هي نتاج تربية وتعليم المدارس. وقد ذهب العديد من الباحثين التربويين نحو هذه الفرضية. ومن بينهم الدكتور عيسى الشورطي المتخرج من جامعة بترسبورغ الأمريكية والذي نشر عدة بحوث علمية عديدة في مجلات محكمة، ركّز معظمها على الظواهر السلبية في التربية العربية منها السلطوية، الماضوية اللفظية، والاغتراب والتغريب والملل، وضعف الحرية الأكاديمية التسليع التربوي وغيرها. وهو يقول في هذا الصدد: «إن التربية التي تقوم على العنف والتعسف والقهر، والتسلّط، ومصادرة الحرية، هي أقصر الطريق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع». وفي أحد دراسات هذا الباحث التربوي يتحدث عن السلطوية في طرف التدريس العربية وهو يعتمد على دراسات وتحاليل قام بها العرب أنفسهم على الواقع العربي ويربطها بآخر ما توصل إليه باحثو الغرب في مجال التربية. فيتحدث عن التلقين كطريقة من طرق التعليم بمعنى «نقل المعرفة والخبرة ومضامين المنهاج إلى المتعلمين» والتلقين هو من ضمن طرق أخرى منها الاكتشاف والمنافسة والاستقراء وتمثيل الأدوار ونماذج التعلم الجماعي وحل المشكلات والتعلم الذاتي... فيقول: «ولكن طريقة التدريس الرئيسية التي تستخدم على نطاق واسع في معظم المدارس في الوطن العربي هي التلقين الذي يطلق عليه أحد الباحثين الأجانب «التعليم البنكي» الذي ينحصر دور الطلاب فيه في الحفظ والتذكر وإعادة ما يسمعونه، من دون أن يتعمقوا في مضمونه واستقبال المعلومات وتخزينها من دون وعي فيحولون بذلك إلى أوان فارغة يصب فيها المعلم كلماته.. حيث يعتمد الطالب في تحصيله على ذاكرته وعلى التكرار الآلي للحقائق المحفوظة بدلا من استغلال ذكائه وتفكيره وقدراته التحليلية». ألا يكون لهذه الطريقة التي تتواصل حتى في الجامعة تأثير على عقول التلاميذ وتعودهم على آلية واحدة في التعامل مع الواقع؟؟ زينب حامد