في دمشق وفي عمان، كان فرانسوا فيون يستعيد دوره السياسي كرئيس للوزراء، ويعلن موقفا واضحا من الملف النووي الايراني، ومن الملف الفلسطيني، داعيا الى استئناف المفاوضات بين السلطة واسرائيل، وعارضا دورا فرنسيا في التفاوض بين هذه الاخيرة وسوريا. وفي باريس كان كوشنير وساركوزي يستقبلان محمود عباس، ويعلن وزير الخارجية مشروعه حول اقناع الدول السبع والعشرين بالاعتراف بدولة فلسطينية بدون حدود خلال احد عشر شهرا. فهل ثمة تناقض بين الوزير ورئيس الوزراء ام ثمة توزيع ادوار يقوده رئيس الجمهورية؟ وبالتالي هل ثمة تناقض بين باريس وواشنطن ام انه نوع من عقود الباطن تضطر ادارة اوباما لاعطائه الى فرنسا، وتستغله هذه الاخيرة للعودة الديبلوماسية الى منطقة الشرق الاوسط؟ فرانسوا فيون، الذي بدا ايضا وكانه يستعيد دوره في السياسة الخارجية التي طالما اعتبرها ساركوزي حكرا على رئيس الجمهورية، ركز في زيارته على الجانب الاقتصادي، الذي يظل الهدف الرئيسي لاية علاقات سياسية. ولكنه من جهة ثانية نهض بالخطاب السياسي الى المستوى الذي وضعه في مكانه على خارطة توزيع السلطات. اما البارز في هذا الخطاب فكان اولا ابداء التمايز الفرنسي عن السياسة الامريكية، ليس بمعنى الاختلاف، وانما بمعنى التذكير بالسبق، وبالحكمة الفرنسية باثر رجعي : تذكير يوجه اولا الى الحلفاء الامريكيين، قائلا : ها انتم تعترفون بان خيارنا في مد الجسور مع سوريا هو الخيار الصحيح وتعودون اليه. ويوجه الى السوريين انفسهم قائلا : نحن اول من فتح عليكم، فلا ياخذكم الامريكي منا. وفي كل ذلك اشارة واضحة الى زيارة وليام بينز التي سبقت زيارة فيون بيومين، مع كل ما سبق الزيارتين منذ 2003. التنافس الامريكي الفرنسي، على المنطقة عائد وبقوة، وهو تنافس لا يختلف فيه الفريقان كثيرا في الملفات الرئيسية بدليل تركيز فيون على الملف النووي الايراني، وعلى موضوع السلام وامن اسرائيل، لكنهما يختلفان في توزيع الحصص الاقتصادية. الاوروبيون يشعرون بان الامريكيين اكلوا كل شيء وتركوهم خارج النفوذ السياسي والاقتصادي وهم يحاولون ان يسترجعوا شيئا من الكعكة. والامريكيون لا يبدون مستعدين للتنازل الا عن الفتات. من جهة ثانية ينظر الفريقان الى المنطقة، فيجدون انفسهم امام نفوذ تركي اخذ في التوسع والتعمق، ونفوذ ايراني يشكل هاجسا اسرائيليا اساسيا وواقع عربي بدا في التقاط انفاسه بعد هزة العراق التاريخية. واذ تبدو سوريا وكانها نجحت في تجاوز نفق النظام الاقليمي الجديد، فانها تبدو الوحيدة التي نجحت في الوقت ذاته في شبك ذراع مع ايران واخرى مع تركيا فيما يشكل نقطة قوة تحرص عليها دمشق، ولا يمكن لواشنطن وباريس اهمالها. من هنا يركز فيون على ربط التعاون الاقتصادي مع سوريا بمساعدة هذه الاخيرة في قضية الملف النووي الايراني، وبمنح فرنسا مشاركة ما في مشروع المفاوضات مع اسرائيل، فيرد ناجي العطري بوضوح ان هذه المشاركة الاخيرة يجب ان تتم عبر انقرة، وان المشروع النووي الايراني هو حق مشروع لانه مشروع سلمي فيما الخطر النووي الاسرائيلي هو الامر المؤكد. ليعود فيون فيؤكد على امتلاك بلاده دلائل تستوجب العقوبات على ايران. اما موضع الدولة الفلسطينية فيختار فيون عمان لاعلان موقفها منها ومن المفاوضات، مسجلا تباينا مع كوشنير. دون ان ننسى ان المملكة العربية السعودية التي تقود دول الاعتدال، ومنها الاردن، هي من اكثر المعارضين لمشروع الاعلان المبتور للدولة، لانه يقضي على المبادرة السعودية التي تحولت الى مبادرة عربية. اضافة الى كونه، بدون مفاوضات تحدد الارض، مشروعا كلاميا وهميا لا قدمين له على ارض الواقع. هذا عدا عن خطورته، اذا ما تم دون اجراء المصالحة الداخلية الفلسطينية.