يبدو أن الساحة الشعرية في تونس بدأت تشدد الخناق على شعراء العمودي وتتجه نحو رفضهم وانتقادهم بشكل ساخر فثمة توجه هام لدى عدد من الشعراء والنقاد يتعامل مع التجارب العمودية بنوع من السخط ويعتبر الالتزام بالتفعيلة مجرد تقليد وتمسك بالماضي أو لنقل مجرد رجعية شعرية.... لا يستلذ هؤلاء القصيدة العمودية ولا يتفاعلون معها ويدعون لتقويضها وهو ما جعل القصيدة العمودية تتجه الى العزلة. 2 لم تغب القصيدة العمودية عن الشعر التونسي وما زال أنصارها كثرا، من النقاد والقراء والشعراء لكن أكثر هؤلاء قد زاوجوا بين الشعر العمودي والحديث ولم تخل تجاربهم من أنماط حديثة مثل شعر التفعيلة وقصيدة النثر. ولعل المطلع على تجارب مثل تجربة جمال الصليعي أو علالة القنوني أو سالم المساهلي يلاحظ هذا المزج ويستنتج أن القصيدة العمودية أصبحت خيارا من جملة خيارات ولم تعد شعارا مركزيا لدى هؤلاء... 3 تبدو القصيدة العمودية ذات وهج وحظيت بعض التجارب بقبول شديد ومازال الجمهور يتفاعل مع قصائد عمودية عديدة رغم قدمها ولعل التفاعل الجماهيري المتعدد مع جمال الصليعي خير دليل فمازالت قصائده العمودية القديمة تحظى بطلب الجمهور وتصفيقه ولكن قصائد عديدة جاءت ميتة وضعيفة لأنها لم تحفظ من الممارسة الشعرية العمودية الا الوزن وكانت اجترارا لتجارب قديمة وتكرارا لنماذج روتينية وقد ساهم ضعف المقدرة على الالقاء في نبذ هذه القصائد وتجاهلها... 4 ثمة إذن شعر عمودي رديء لضعف الايقاع وخشبية الخطاب الشعري فيها وهو خطاب يبدو عليه الكثير من الخوف الشعري وتنقصه شجاعة المغامرة المعنوية والفنية الكفيلة بشد الجمهور الثقافي المتعطش للشعر والباحث عن شعر يمس ذائقته... 5 صارت القصيدة العمودية في تجارب عديدة هزيلة ولا تقدر على شد الجمهور الشعري لكن مع هذا لا بد أن نقر بأن مأزق القصيدة العمودية الراهنة لا يقل حدة عن مآزق الأنماط الشعرية الأخرى التي طغت عليها الضبابية والثرثرة المؤلمة وغابت عن أغلبها الشعرية المطلوبة... لكل هذا لا بد أن نخفف من حدة نقد العموديين. صحيح أن تجارب أكثرهم بدت ضعيفة وعليهم تطويرها وتعميق المغامرة الشعرية.... ولكن لا مجال لتصنيفهم ضمن التجارب الغير مرغوب فيها... لا حق لتفعيلي أو نثري أن يعلي صوته للدعوة الى تجاوز القصيدةالعمودية لأنها شئنا أم أبينا تبقى الأصل في الحضارة العربية وتبقى النموذج الشعري. مع هذا لا بد أن يعلم الشاعر العمودي أنه مطالب بقصيدة في حجم المجد الكبير للقصيدة العمودية ولا مجال لتساهل هذه القصيدة لأننا في حاجة الى قصائد متميزة تعيد وهج العمودي وتؤكد جدارته ومشروعيته بالتواجد في المشهد الشعري.