حركة نبيلة وراقية تلك التي أقدمت عليها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتحديد يوم غرة مارس يوما للاحتفال باللغة العربية... والبيان الصادر بهذه المناسبة هو عبارة عن صرخة ضمير باتجاه التحسيس بواقع لغتنا العربية وبالتحديات الحقيقية التي باتت تواجهها وتستهدف وجودها وتضعها في صف اللغات المهددة بالانقراض. لنقل منذ البداية إن لغتنا العربية هي عنوان هويتنا وذاكرتنا وحضارتنا.. هي لغة القرآن الكريم الذي ختم الرسالات السماوية ورسم للبشرية طريق الحق.. وهي بهذه المعاني أكثر بكثير من أداة تخاطب وتواصل. ولنقل أيضا إن لغتنا العربية التي تختزل معاني هويتنا وتعدّ لسان حضارتنا العربية الاسلامية، تستحق أن نسنّ لها يوما للعناية بها ولتفعيل دورها والذود عنها يتواصل على مدار الأشهر والسنوات والعقود... فهي ليست فاصلا عابرا في تاريخنا ولا كائنا أتانا من ربوع قصية... هي ذاتنا وكياننا وحمّالة المعاني الخالدة في عقيدتنا وكل الإضافات التي قدمتها حضارتنا العربية الاسلامية للحضارة الإنسانية. نقول هذا، لأن حملات التشكيك لم تتوقف في السنوات الأخيرة.. كما لم تتوقف أصوات المشككين المبحوحة عن التجريح في لغتنا وربطها بواقعنا العربي المتردي وتحميلها مسؤولية تخلفنا في مجالات العلوم والتكنولوجيا... تأكيدا هو «كلام باطل يراد به باطل» لأن اللغة العربية براء من كل أوضاعنا الصعبة والمتردية ومن تخلفنا الشامل وعجزنا عن التكلم بلغة العصر بما هي لغة علوم واختراعات وتكنولوجيا. اللغة العربية جرّبت فصحت... واللغة العربية اختبرت فأثرت عندما كانت الحضارة العربية الاسلامية في أوجها... فكانت هي لغة الطب والرياضيات وعلوم الفلك ولغة كل صنوف الإبداع البشري... وهي ابداعات ما تزال حاضرة في التراث الإنساني... فأين يكون القصور حين نركن نحن للقعود والاستكانة وحين نبتلع طعم التشكيك في لغتنا فنهجرها الى لغات أخرى بدعوى أنها ليست لغة علوم وتكنولوجيا وانها عاجزة عن مواكبة لغة العصر؟... مع احترامنا لباقي اللغات ولاسهامها في الموروث الانساني وفي الحضارة الكونية. ان التشكيك في لغتنا العربية هو في نهاية المطاف تشكيك في هويتنا وتهديد لحاضرنا ولمستقبلنا... هو سلاح خبيث يهدف الى إصابتنا ب«السكتة الحضارية» فنقبل بالركون على هامش الاحداث ونرضى بدور التابع المستسلم ونقبل بالذوبان في مرجل «الشرق الاوسط الكبير» الذي يراد أن تصهر فيه شخصيتنا وحضارتنا لنكون مجرد أرقام لا علاقة لها بتاريخ او عقيدة أو هوية في كيان يتساوى فيه أصحاب الأرض وأهل الحضارة بالمغامرين ومحترفي السطو بكل معانيه. لأجل كل هذه التحديات والرهانات تستحق لغتنا العربية أن تكون في قلب الأحداث كل يوم الى ان يرث الله الأرض ومن عليها... والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي أطلقت هذه البادرة المحمودة يقع عليها من جملة هياكل وجهات أخرى عبء ايجاد تصور يجعل اهتمامنا بلغتنا اهتماما دائما غير منقطع ولا منفصم»، لأن ارتباطنا بعروبتنا وبهويتنا مستمر ودائم ولا يعترف بالموسمية.