الآن تقف السياحة التونسية في مفترق الطرق: الاستمرار في المراهنة على سياحة «الفقراء» والارتهان لسياسة وكالات الأسفار العالمية أو التوجه نحو التنويع وتحسين الخدمات وتوظيف ثروات البلاد الثقافية والطبيعية. ثمة وجه مريض للسياحة التونسية رغم مظاهرها المثيرة للإعجاب: 7 ملايين سائح سنويا إنما من «الفقراء». 7 بالمائة من الدخل الوطني وقرابة 350 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر، لكن النزل تستعيد باليد اليسرى ما تعطيه باليمنى للمجموعة الوطنية بسبب تراكم الديون وتردي الخدمات. هذا الوضع جعل أحد الخبراء يصف السياحة التونسية بأنها عملاق إنما بأرجل من طين، أرجل هشة تجعل هذا العملاق ضعيفا أمام الأزمات ومرتهنا لمشيئة وكالات الأسفار العالمية ويعيش على مساعدات الدولة. وربما من المفيد أن نعود بالذاكرة إلى تاريخ السياحة التونسية إلى بدايتها في عام 1960 حين كانت خيارات الدولة تحت تأثير سياسة التعاضد تتجه نحو منتوج سياحي متوازن بين الجهات وبين السواحل والمناطق الداخلية، وبين سياحة الاصطياف والسياحة الثقافية. وفي تلك السنوات كانت السياحة التونسية ما تزال جنينية، ففي عام 1962 تم إحصاء 52 ألف سائح سنويا في تونس التي لا توفر سوى 4 آلاف سرير. ومنذ عام 1974، بدأ التطور المذهل الذي يقوم على التركيز على خيارات واضحة وهي «سياحة الشاطئ» وتتمثل في بناء أكبر عدد من النزل لاجتذاب أكثر ما أمكن من السياح اعتمادا على سياسة التخفيض في الكلفة إلى حدود غير متوقعة. وهكذا نشأت المدن السياحية حيث لا تتجاوز المسافة بين النزل والنزل بضعة أمتار، وارتفع عدد السياح من 4 آلاف عام 1962 إلى أكثر من 7 ملايين حاليا وقرابة 240 ألف سرير. أصبحت السياحة أهم مصدر للعملة الصعبة تمثل 7 بالمائة من الدخل الوطني الخام، وتوفر حوالي 350 ألف موقع عمل منها 85 ألفا مباشرة. وعند هذا الحد، يجب الاعتراف بنجاح السياحة التونسية على مدى أكثر من أربعة عقود في توفير الشغل لقرابة 11 بالمائة من الأشخاص النشطين، كما نجحت في أن تكون في قلب حركة اقتصادية هامة في السواحل، إلا أنه يجب أن نتذكر أيضا هشاشتها والمواسم العجاف التي عاشتها فأصبحت تعيش على مساعدات الدولة وتستعيد باليد اليسرى ما تعطيه باليمنى للمجموعة الوطنية. وجه الأزمة لنتذكر أعوام 2002، وظروف الأزمة العالمية بسبب الاحتقان الدولي وحروب أمريكا، حين كانت السياحة التونسية في قلب الإعصار، والنزل تعاني من الفراغ دون أن تشغل نصف طاقتها. الضحايا الأوائل كانوا عشرات الآلاف من العمال الذين يحالون على البطالة أو يعانون هشاشة ظروف العمل. غير أن تلك الأزمة الدولية لم تكن سوى الشجرة التي تخفي الغابة، أو تخفي الوجه الحقيقي لأزمة السياحة التونسية الذي يتمثل في تراكم الديون وارتهان قرارها لدى وكالات الأسفار العالمية إلى حد العمل بالخسارة. عندها بدأ الخبراء يتذكرون أن الخطأ ربما كان في البداية، أي في المراهنة على سياحة الشاطئ وتخفيض الكلفة في إطار المنافسة الشرسة في حوض المتوسط. لقد دفعت تلك الخيارات بالمستثمرين إلى حملات البناء والإسمنت على السواحل بقروض لم يقدروا فيما بعد على سدادها، وكانوا في حالة سباق كمي أي بناء أكثر ما أمكن من الغرف، واستقبال أكثر ما أمكن من السياح. لقد أدى ذلك إلى رفع عدد السياح فعلا، لكنهم سياح فقراء، تفرضهم وكالات الأسفار الأجنبية وتفرض معهم أسعارا تكاد تكون رمزية، وتجعل العديد من النزل تعمل بالخسارة، وتتورط في المزيد من الديون لملاحقة المنافسة. لقد أدى هذا الوضع إلى تردي الخدمات في العديد من النزل، بسبب العجز عن التطوير، والدخول في متاهة مفرغة تفرضها وكالات الأسفار العالمية التي تتحكم في قرابة 90 بالمائة من السياحة التونسية. غير أن الخبراء يستطيعون أن يروا في هذا الوجه المتشائم للسياحة التونسية علامات تدعو إلى التفاؤل خصوصا وهي تكشف عن تغيير هام في هويتها. خارطة طريق إن أهم علامات هذا التغيير هي حصول تونس على المرتبة الثانية في العالم بعد فرنسا في سياحة العلاج بنوعيها: العلاج الطبي والعلاج بالماء. وفي عام 2009 استقبلت تونس 45 ألف شخص قدموا إلى تونس للعلاج في 42 مركزا تحظى بالمراتب الأولى لدى وكالات الأسفار المتخصصة في العالم. ومن المؤكد أن حصول تونس على هذه المرتبة في ظل المنافسة الدولية يعد مؤشرا هاما على قدرتها على التطور نحو الأفضل وتبين طريقها وسط الأزمة. بيد أن وزارة السياحة ومختلف هياكل الدولة من ورائها كشفت عن خطة ضخمة للخروج بالسياحة التونسية من أزمتها. ويمكن اعتبار أن تعيين السيد سليم التلاتلي القادم من ميدان التأهيل الاقتصادي على رأس وزارة السياحة يكشف عن خيار واضح: تأهيل السياحة التونسية ومساعدتها على الخروج من أزمة تراكم الديون وتردي خدماتها. وحتى هذا الوقت انخرط أكثر من 150 نزلا في برنامج التأهيل، أي أكثر من 30 بالمائة من طاقة الإيواء العامة. وفي إطار تأهيل السياحة يمكن الحديث عن «خارطة طريق» لتطوير المناطق السياحية وتجميلها وتحسين مستوى المرافق والخدمات ومواصلة معالجة الديون، وتطوير استراتيجية إشهار مناسبة، وكذلك تطوير السياحة البيئية والثقافية. إن الهدف من هذه الخارطة هو الوصول إلى 10 ملايين سائح في 2014 وتحقيق 5 مليارات من الدنانير سنويا، وهو هدف يتطلب تقديم المزيد من القروض والتسهيلات المالية لفك الأزمة، وتحسين مظهر النزل ومحيطها.