بين الضفة الشمالية والضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط أكثر من وجه شبه على صعد مختلفة جغرافية وتاريخية وثقافية وحتى على صعيد العادات والتقاليد وأنماط العيش عموما. إن ما يربط بين الضفتين لا يمكن أن يتسع له مقال كهذا بل كتب ومؤلفات ولا أدلّ على ذلك من سلسلة التوأمات التي تمت على فترات مختلفة بين مدن من هذه الضفة أو تلك توأمة القيروان ببلارمو ومزّارة بالمنستير وترابني بسوسة وسراقوسة بصفاقس وغيرها من أشكال التقارب الأخرى العديدة والمتنوعة. إن مثل هذه الروابط نسجها التاريخ منذ أن وصل العرب إلى جنوبإسبانيا وإلى جنوب إيطاليا وكذلك إلى جنوبفرنسا وتركوا في كل هذه المرابع أثارا تدل عليهم وتعكس مدى مشاركتهم في بناء الحضارة البشرية وللجغرافيا دور مهم في دعم هذا التقارب بين الضفتين فعبقرية المتوسط وموقعه سرّة للعالم جعل المتساكنين على ضفافه يتشابهون في أكثر من مظهر من مظاهر الحياة الكثيرة ولعل الدراسات التي أنجزت في مجال هذا التشابه بين أنماط العيش على ضفاف المتوسط كثيرة وقد شملت أكثر من مجال وتطرقت إلى أكثر من موضوع فكم من باحث من هذه الضفة أو تلك كتب في المسألة وكم من ندوة عقدت في هذا الجانب أو ذاك ودعمت هذه الأواصر. إن مثل هذه الروابط بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية قديمة في التاريخ ومستمرة فيه ولها وجود قوي في الحاضر إلى درجة أننا نتحدث أو قل صرنا ننظّر لفكرة «المتوسطية» فكرة ثقافية فيها الكثير من العطاء لشعوب الضفتين وبما تسمح به من تبادل ثقافي غزير بين متساكني الضفتين فنحن في الضفة الجنوبية لا نشعر إطلاقا بالغربة عندما نتحول إلى الضفة الشمالية وكذلك الأمر عكسا كما لو أننا تنقلنا إلى جهة أخرى من هذا العالم إلى آسيا مثلا أو إلى أمريكا الجنوبية.