لست أدري لماذا كلما تذكرت شأنا جغرافيا ذا صبغة جيولوجية إلاّ وانعرج بي التفكير إلى الشؤون الإدارية التي ورثناها عمّن حكموا وتحكّموا في رقاب الرعية من العثمانيين والفرنسيين فما العلاقة بين هذا وذاك حتى ينعرج بي التفكير من الأرض إلى الإدارة الموروثة؟ هل لأنهما تشتركان في الدوران على نفسيهما طيلة الأربع والعشرين ساعة؟ أم لأنهما تشتركان في تكوينهما جيولوجيا من طبقات ثلاث: سطحية ووسطى وعميقة. اللهم جبالك الرواسي ولا عبدك الثقيل: أليس لكل من الأرض والإدارة الموروثة جبالها وقممها وشعابها وفجاجها وسهولها بسهلها المنبطح المنبسط و«سهلها الممتنع» على أن يكون سهلا؟ ألا تشتركان في الهشاشة والصلابة في طبقاتهما الثلاث وفي خصوبة سطحيهما تارة وعمقهما أخرى؟ ثم ألا تشتركان في التحتية من ذلك أن المعادن النافعة لا وجود لها إلا تحت طبقات الأرض. وأن الطلبات النافعة لا توجد في الإدارة الموروثة إلاّ اما تحت الدراسة، أو تحت النظر. أكيد أن العيب في اعتقادي ليس في الإدارة وإنما في الموروث الإداري، وحتى لا يزجّ بي في خانة المتفلسفين أقسم لكم أنني أتحدث بكل عفوية عن الشبه المشترك بين الإدارة الموروثة والأرض الميتة. ولي إيمان راسخ في أن من استصلح أرضا ميتة وأحياها فهي له شرعا. لذلك تمسكت القيادة في أعلى هرمها بالاصلاح الاداري من السطح إلى العمق لتجعل السطح خصبا مثمرا والعمق مدرارا بمعادنه النافعة وكسبت من هذا الرهان الكثير ومازالت تكسب وعلى كل واحد صادق منّا أن يعينها بما ملكت أيمانه من قدرة كأن يزيح مثلا أية حجرة تعترضه في أي سهل حتى لا «يرجع غدوة» بخفي حنين إرثا له من الإدارة الموروثة من جراء السهل الممتنع على أن يكون سهلا.