كلما توقفت عند تقنين التدخين في الأماكن العمومية كالمقاهي والمطاعم ردّد لسان حالي تلك الاغنية الشعبية التراثية التي تقول: «دخان طقّع عشية ما بين سوسة وقابس ترّاس لاحق صبية عطشان والريق يابس» رغم أن ذاك الدخان الذي ملأ ذاك المدّ الجغرافي ليس دخان شيشة على رأسها «ولعة» ولا هو دخان سيجارة على رأسها نار. ولا تلك المسافة بين سوسة وقابس هي الفضاء الخاص بالمدخنين. وإنما ذاك الدخان ما هو إلا صورة مجازية لغبار الركض وراء ترحال الصبية الى حيث لا يدري ذاك الصبي العاشق الولهان. نعم كلما تذكرت ذاك القانون إلا وخيّل إليّ أني أرى دخانا يتصاعد في طبقات الجو بين كل مقهى وآخر وبين كل مطعم ومطعم وبين كل مطعم ومقهى. ليس هو دخان شيشة «جيراك» ولا هو دخان سجائر الأمريكان. وإنما ما هو إلا صورة مجازية لغبار ركض فرق المراقبة وراء تطبيق القانون. ويُخيّل إليّ أيضا أنني أرى كل فرد من عناصر تلك الفرق عطشانا وريقه يابسا. ولا أحد يدري إن كان ذاك «الترّاس» بلغ غايته أم لا؟ فهل تبلغ تلك الفرق الغاية المنشودة؟ معذرة إن كان خيالي مازال صغيرا حدثا قاصرا وإن قلت لكم إنه يجرني الى السؤال: لماذا لا ينطبق على المدمنين على التدخين قانون الاحداث القصر فكلاهما رُضّع. الصغار لاثداء الأمهات والكبار ل«جبّاد» الشيشة أو مبسم السيجارة... وهل من السهل أن يتخلى الرضيع عن الرضاعة؟ بعض الأمهات يدّعين أنهن فطمن أبناءهن بكتابة «حرْز» أو «حلاّن الكتاب». ولكن هل يفطم الكبار بكتابة قانون و«حلاّن المحاضر»؟ صعب أن يتخلّى الرضيع عن الرضاعة.