«كان يا مكان في هذا الزمان» فيلم وثائقي فكرة وإخراج هشام بن عمار يروي قصة «أنس» طفل تونسي طموحه فاق قدراته المادية ولكنه بفضل والده تمكن من الوصول الى بداية طريق الموسيقى. كلام مختصر يوجز لنا أحداث الفيلم ومنذ البداية أحسسنا بالتلقائية في كلام الأب عبد الرؤوف وبمرارة فشله ورغبته في إنجاح ابنه ليحاول تجاوز فشل الطفولة عنده ولكن جملة فاصلة قسمت لنا الفيلم ما بين التلقائية المركبة والتمثيل الموظف. جملة هي فقط وحدها جعلتنا نقف لنحلل خباياها وهي عندما قال الأب عبد الرؤوف حرفيا في الفيلم الوثائقي: واللّه اليهودي باش يدخل الجنّة، حرام عليا» جملة بسيطة كانت بداية تبعات أخرى أوصلتنا الى أن الفيلم موظف سياسيا حين نزعت والدة «أنس الحجاب» وصفق بعض الحاضرين وحين سافر الوالدان ليقابلا ابنهما أنس، أعطته الأم كتاب قرآن، فلم يلتفت إليه ورماه في خزانته، هي إيحاءات دنيئة لم نحبذ وجودها، لأن الفيلم على حدّ تصورنا مرّر رسالة دينية أراد المخرج إيصالها للمتفرجين. حين يقول هشام بن عمار «إنها قصة امتزج فيها الحب بالامتعاض والحنان بالإعجاب يصطدم فيها «الترمبون والكمان» ليلتقيا ويتناغما، نجيبه بأنها قصة امتزج فيها الصالح بالطالح، والوضوح والتناقض لنصطدم بواقع فكر يحاول أن يفرض نفسه على المشاهد. حاول هشام بن عمار في فيلمه «كان يا مكان» أن يجسد صورا من «التوانسة» الأب الذي يمكن أن نقول عنه متسلّط، فرض فكرا ورؤية على ابنه دون أن يستأذنه وأنس القالب الجاهز من الصلصال، يلعب به الأب كما يريد. فكرة تجعلنا نقف عند مفترقات عديدة، علاقة الآباء بالأبناء، المجتمع بجميع عناصره، الفرد مع ذاته، الذات أمام المتغيرات، والانسان مع حقوقه وواجباته والسلطة مع الشعب، والشعب مع الحكومة، هي علاقة سيد وعبد، آمر ومأمور، لن تكون أبدا علاقة ثنائية لأنها دوما تبقى أحادية. الموسيقى تهذّب الروح ولا دين لها، هي تجمع ولا تفرّق ولكن متغيّرات الحياة تجعلنا نحسّ بأن هذه المعاني اختفت لأنك حين تسمع موسيقى معينة تدرك أنها موسيقى كنائسية، أو عربية أو مسيحية أو بوذية، لأن الأذن لم تعد حرّة.