بدأت سلطات الاحتلال الصهيونية الثلاثاء الماضي في تطبيق أمر عسكري يقضي بابعاد آلاف من الفلسطينيين عن الضفة الغربية بتهمة «التسلل» وعدم الحصول على ترخيص في الإقامة وهو ما اعتبر من أخطر الخطوات التي قام بها الاحتلال في محاولاته الرامية لتهويد الأراضي المحتلة وافراغها من أهلها الأصليين. ونظرا لخطورة هذا القرار على مستقبل الأراضي المحتلة سلطت «الشروق» الضوء على أبعاده وتداعياته والمواقف التي رافقته سواء على الصعيد الفلسطيني او العربي. ينص الأمر العسكري الذي دخل حيز التطبيق على ترحيل كل من يحمل صفة «متسلل» عن الضفة الغربية وتعمدت سلطات الاحتلال عدم تعريف التهمة لتجعل كل الفلسطينيين في مرمى نيرانها «القانونية». وتنطبق كلمة «متسلل» وفق سلطات الاحتلال الصهيونية على المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون اولهم أصولا غزاوية وهم عشرات الآلاف اضافة الى الفلسطينيين الذين هم من أصيلي الضفة ولم يتسلموا تراخيص في الاقامة من المحتل مع العلم ان الغالبية العظمى من هؤلاء لم يطالبوا أبدا بالحصول على تصاريح الاقامة الصادرة عن الاحتلال. ومن جانب آخر يشمل هذا القرار ايضا المواطنين الفلسطينيين الأجانب ونحن نعلم جيدا ان نسبة هامة من سكان مدينة القدس بالذات هم من أصول عربية اخرى والذين نعرفهم اليوم باسم «المرابطين» فهم سودانيون وتونسيون وجزائريون ومغاربة وغيرها من الجنسيات العربية لكنهم اليوم أصبحوا مواطنين فلسطينيين. ويمكن لهذا القرار من جهة اخرى ان يطبق على المتضامنين الأجانب والذين أصبحوا يمثلون أيضا رقما مهما في القضية الفلسطينية سواء على المستوى السياسي او الاجتماعي. اذن كل الفلسطينيين ودون استثناء معنيون بهذا القرار فهم «متسللون» الى أرضهم .. لكن لماذا هذا القرار الآن؟ ويعتبر هذا القرار على الصعيد السياسي الفلسطيني مأزقا كبيرا لكل الأطراف السياسية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أيضا، فهو من جانب سيزيد من ثقل الحصار المفروض على حكومة «حماس» في القطاع اضافة الى مضاعفة معاناة أهالي غزة المحكومين بالفقر والجوع منذ أكثر من سنة. وفي اتجاه آخر وضع القرار الصهيوني رقبة سلطة الرئيس محمود عباس تحت مقصلته، حيث يشمل عددا من المسؤولين رفيعي المستوى جاؤوا من غزة للاقامة في الضفة الغربية ومن بينهم عضوا اللجنة المركزية في حركة «فتح» محمد دحلان ونبيل شعث اضافة الى وزير الأوقاف محمود الهباش وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومستشاري الرئيس عباس والقائمة تطول. ويعتبر هذا القرار أيضا جدارا آخر جاء ليفصل الضفة الغربية أكثر عن قطاع غزة وهذه المرة هو جدار اجتماعي سياسي وليس دينيا، فسيعمق تنفيذ القرار الصهيوني القطيعة بينهما وسيجعل من كل منهما جزءا لا علاقة تربطه بالآخر غير واقع الاحتلال فهل سيزيد هذا القرار من التباعد والتناحر الفلسطيني الفلسطيني؟ وتصاعدت ردود الفعل الدولية والعربية والفلسطينية في القطاع والضفة المنددة بهذا القرار واعتبروه استمرارا لمخططات التطهير العرقي التي انطلقت منذ سنة 1948 ضد الشعب الفلسطيني للقضاء على القضية الفلسطينية وافقادها صفة قضية تحرر لشعب واقع تحت مشروع احتلالي. ومن جانبها عقدت جامعة الدول العربية يوم دخول القرار حيز التنفيذ اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين الذين نددوا وشجبوا واستنكروا هذا القرار وطالبوا ولأول مرّة بوضوح كبير الشعب الفلسطيني بالمقاومة وعدم الرضوخ، كما طالبوا المجموعات الدولية المعنية بهذا الملف وخاصة الرباعية الدولية بالتدخل لمنع سلطات الاحتلال من تنفيذه. وطالبت الجامعة مندوبيها بمجلس الأمن الدولي وبالأمم المتحدة بالدعوة الى اجتماعات طارئة للضغط على الاحتلال الصهيوني. وفي اتجاه آخر طالب المجتمعون أيضا بضرورة دعم جهود مقاومة التطبيع مع كيان الاحتلال، لكن لم تخرج القرارات العربية هذه المرة أيضا عن اطارها الديبلوماسي رغم تعدّي الاحتلال الصهيوني وانتهاكه لكل الأطر. ومن جانبهم ندد الفلسطينيون أيضا بهذا القرار ولأول مرّة أيضا توحدت المواقف وأجمع الفلسطينيون في الضفة وغزة على أن هذا القرار يمثل خطرا على الجميع ويجب على الجميع مقاومته، لكن هنا يكمن الاختلاف فأي شكل من المقاومة سيتبع الفلسطينيون وعلى أي صنف من المقاومة سيتحققون، لم هم أيضا لم يتفقوا على هذه النقطة فهل سيواصلون رحلة المقاومة السلمية في الضفة وهدوء الهدنة في غزة أم سيقررون انتفاضة شعبية موحدة تغيب عنها الحسابات السياسية الضيقة؟