لعلّ غياب العرب عن حرب الفضائيات المستعرة فوق رؤوسهم هو خير مرآة عاكسة لغياب العرب الكبير على الساحتين الاقليمية والدولية.. وخير دليل على استقالتهم من كل شأن اقليمي أو دولي وان تعلّق ب«قضيتهم المركزية» (قضية فلسطين).. وإن مسّ سيادة بعضهم وعصف بأمنهم في مفهومه الشامل وهدّد حاضرهم ومستقبلهم. ولعلّ مفارقة المفارقات تكمن في أن العرب شعوبا ونظاما رسميا يتفقون على تشخيص الحالة وعلى توصيف الوضع وتحديد المخاطر.. ويكادون يتفقون على وصفة العلاج.. لكن هذه الوصفة تغيب ويستعصي الوصول إليها بما عرّض الوضع العربي الهش بطبعه إلى المزيد من التدهور وإلى الكثير من الانفلات واللامبالاة.. والمتابع إلى تعاطي العرب مع قضية فلسطين مثلا يدرك دون عناء حجم التراجع الذي ضرب الموقف العربي.. وإلى أي درك تردّى سقف الموقف العربي من القضية ان حربا أو سلما.. وهو ما انعكس على هذه القضية التي كانت تعتبر قضية العرب الأولى بما جعلها «تتدحرج» خاصة لدى النظام الرسمي العربي من مرتبة القضية المركزية إلى شأن فلسطيني داخلي... بما جرّد القضية من بعدها القومي ومن خاصيتها العربية وألقى بها بين براثن الصهيونية تتلاعب بها كيفما شاءت.. هذا التردي يمكن اختزاله أيضا في تصوّر العرب للسلام وهو الذي «صاغوه» في قالب مبادرة عربية تطرح صفقة شاملة للسلام وتبادل عودة الاراضي والحقوق وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها... وحتى هذه الصفقة أدركت اسرائيل أنها لا تساوي شيئا لإدراكها أن البيت العربي أوهن من بيت العنكبوت فأحالتها على المعاش ومضت في رسم ملامح الحل كما تراه بالجدار العازل وبالاستيطان وبتهويد القدس وبمصادرة المعالم الاسلامية وبالترحيل والتصفية العرقية.. وذلك في مسعى محموم لضمان يهودية الدولة ولرسم حدودها بالارتكاز على غطرسة القوة وعلى دعم أمريكي غير محدود وغير مشروط وعلى موالاة غربية كاملة مغلفة ببعض النفاق السياسي الذي يبيع الطرف العربي بعض وهم ويمدّ إسرائيل بمقومات القوة والتمرّد على كل القرارات الاممية وعلى كل فرص وعروض السلام القادمة من اطار عربي (المبادرة) أو أممي دولي (خارطة الطريق)... أين نحن من لاءات الخرطوم وقد كانت تشكل سقفا لموقف عربي قادر على اسماع صوت العرب؟ والى متى يستمر انقلاب الاوضاع لتستبدل لاءاتنا العربية بلاءات صهيونية تجعل تل أبيب تزداد غطرسة وتمنعا كلما ازداد العرب تقرّبا ومغازلة؟ وأين نحن من المقاومة التي كانت تشكل شوكة في حلق الصهاينة وورقة يمكن الاتكاء عليها لتأمين مصالحنا العربية؟ وكيف نضع كل البيض في سلّة السلام دون التنبّه الى أن السلام شأنه شأن المواجهة العسكرية يحسب بحساب موازين القوى وتلزمه هو الآخر قوّة توصل إليه وتسنده وتحميه عندما يتحقق؟ أسئلة تغرينا بمزيد التوغل في الزواريب العربية ومحاولة ملامسة المزيد من علامات الوهن العربي الذي يجعلنا نفقد البوصلة ونعجز عن الصمود في وجه العاصفة.