الترجمة علم وفن، لكنها بوابة العبور بين الثقافات والحضارات، والمترجمون كما وصفهم الشاعر الروسي بوشكين، هم خيول التنوير، وتتطلب الترجمة قبل كل شيء الأمانة، لذلك لا بد من الالمام الكامل باللغة المنقولة ومصطلحاتها، وتموجات معانيها, ورغم الجهود المهمة التي تطورت في البلدان العربية في السنوات الأخيرة بقيت حركة الترجمة محدودة ولا تقارن بحركة الترجمة في العالم. والثقافة تبقى جامدة اذا لم تتطور في الخروج عن ذاتها، حتى لا تظل سجينة شرنقتها. وللعرب تاريخ مجيد في ميدان الترجمة، منذ انشاء أبي جعفر المنصور بيت الحكمة في قصر الخلافة ببغداد. وفي عهد هارون الرشيد الذي ضم بيت الحكمة الى جانب المترجمين، النساخين والخازنين. وبلغ نشاط الترجمة ذروته في عهد المأمون الذي أولاه عناية فائقة. وكان يشرف على بيت الحكمة بنفسه، ويختار العلماء المتمكنين من اللغات. ورغم هذا التاريخ المتأصل في الترجمة عند العرب، مازالت اشكالية الترجمة من والى اللغة العربية قائمة, خاصة في ما يخض المصطلحات الحديثة. عندما يكون النقل من لغة لديها امتدادات معرفية أسهمت في انتاجه تجارب ودراسات علمية تأصلت مدى سنوات. وأهم اللغات التي تتعامل معها اللغة العربية هي الانقليزية والفرنسية. وتبقى المشكلة في استعمال المصطلح من اللغات الأخرى الى اللغة العربية، بالنظر الى مؤثرات مركبة، أولها الجانب المعرفي، كذلك الجانب اللغوي، وقد نشطت ميادين الترجمة في الفترة الأخيرة على مستوى العالم العربي، ربما بسبب تطور العلم، وخشية من بقاء هذا العالم بعيدا عن العلم والمعرفة. وضمن الاسهام في نقل المعرفة من اللغات الأخرى الى اللغة العربية، ومن العربية الى اللغات الأخرى، وتشجيع الترجمة في مجال العلوم الى اللغة العربية، واثراء المكتبة العربية بنشر الترجمات المميزة، والنهوض بمستوى الترجمة وفق أسس مبنية على الأصالة والقيمة العلمية وجودة النص، وتكريم المؤسسات التي ساهمت في نقل الأعمال، أنشأت جائزة عالمية للترجمة من اللغة العربية واليها باسم جائزة «خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة» منذ سنة 2006. وقد كان لتونس شرف الحصول على الجائزة لسنة 2010 في مجال العلوم الانسانية من اللغات الأخرى الى اللغة العربية، مع الدكتور عبد القادر المهيري، والدكتور حمادي صمود عن ترجمتهما لكتاب « معجم تحليل الخطاب» من اللغة الفرنسية. وأشرف على هذا العمل أساتذة كبار في الاختصاص، وشارك في تحرير مداخله عدد لا بأس به من المختصين الآخرين، ويتفاوت عدد المداخل التي حررها كل واحد. لكن الاشراف العلمي وقع من قبل أستاذين مشهورين في هذا الاختصاص: باتريك شارودو ودومينيك منغو. والمعجم استمرار لكل التفكير القديم في الخطابة. ثم أصبح في اللسانيات الحديثة في التداولية، وهو استعمال اللغة في مقامات معينة ، وكيف تتأثر المقامات التي تعمل في اللغة نفسها؟ كيف تؤثر اللغة المعنية بعملية اللغة؟ معجم فيه الآليات الضرورية لتحليل المخاطبات بقطع النظر عن الميدان الذي تكتب فيه. كما تحصل أيضا المركز التونسي للترجمة على جائزة خادم الحرمين لنشره سنة 2009 عددا مهما من كتب مترجمة، وذلك راجع لحسن تنظيمه وكفاءة مديره. وسيكون له حظ نجاح كبير في المستقبل بقدر ما يوجد من مترجمين وبقدر ما يوجد من اقبال الباحثين والمختصين في اللغات الأجنبية من مترجمين. وقد قام المركز أيضا بالتعريف بالمشهد الثقافي التونسي، وقد جرت العادة أن تأتي الترجمة من الخارج، لكن المركز قام بترجمة بعض الآثار الأدبية والعلوم الانسانية التونسية . هذا يعني أن اللغة العربية ليست في مأزق، بل قادرة أن تصدر وتستقبل الثقافة بسهولة، وحسب الدكتور حمادي صمود: ف«إن مايميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات أنها صمدت منذ العهد الجاهلي، منذ نزول القرآن. ولا توجد لغة حافظت على أمورها الأساسية خاصة في ما يتعلق بنظامها الصرفي ونظامها النحوي كاللغة العربية. فهي قادرة على أن تعبر عن كل المفاهيم. ولكن ينبغي أن يكتب أهلها بها. ويترجموا بواسطتها. فدور الترجمة لا يتمثل في نقل ما كتبه الغير فحسب، لكن أيضا في تطوير اللغة، وفي تذليل اللغة، وفي اجبار اللغة على التعبير عن مفاهيم لم يكن بها عهد لها». والأمل أن يكون لجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حافز لما خصصت له، الدعوة الى التواصل الفكري والحوار المعرفي والثقافي بين الأمم، والى التقريب بين الشعوب، باعتبار الترجمة أداة رئيسية في تفعيل الاتصال ونقل المعرفة واثراء التبادل الفكري. وما الى ذلك من تأصيل لثقافة الحوار، وترسيخ لمبادئ التفاهم والعيش المشترك وروافد لفهم التجارب الانسانية والافادة