أسابيع قليلة تفصلنا عن موعد انطلاق المهرجانات الصيفية لترتدي مختلف جهات البلاد أبهى كساء.. وتتزين بأكاليل البهجة والفرح.. فتعلق اللافتات وتشوه الجدران بالملصقات الاشهارية الكاذبة لنجوم من ورق!.. استعدادا للمهرجانات التي بدأ الاعداد لها من الآن حيث أصبح المال سيّد الأعمال في هذا المجال لاختيار ما هو مناسب من عروض حسب الظروف أولا.. ورغبة بعض مديري هذه التظاهرات ثانيا، سواء كانت محلية بالتصنيف الشعبي أو وطنية وحتى دولية. هذا ما ألفناه منذ سنوات إذ كانت الجماهير دوما خارج دائرة المشاركة وإبداء الرأي لأن الهيئات المهرجاناتية ترفض من يتدخل في اختياراتها وإن كانت سلبية «ما تعلمش» العروض قفزت أسعارها في تسلق غير معهود شأنها في ذلك شأن ارتفاع سعر الذهب وبراميل نفط بحر الشمال.. وأضحى الفنانون يترقبون فصل الصيف كترقب الحامل للخلاص للنهم وتكديس الدولارات والانتقال من مهرجان الى مهرجان زادهم في ذلك أغان من صنف «برّة هكاكة» بعضها مسروق.. وآخر مفبرك ومنسوخ.. حتى بات نجوم الفن خاصة أولئك الذين يلهث وراءهم مديرو المهرجانات في مقدمة الأثرياء وأصبحوا يتباهون بأرصدتهم المالية الضخمة التي جمعوها من جيوب شعبنا الطيب الكريم بعد أن ضحكوا ملء أشداقهم على المسؤولين والجمهور معا.. العولمة زادتهم جشعا وشراهة.. والهياكل الثقافية عندنا تغط في سبات عميق وكأن الأمر تجاوزها أو لا يعنيها.. والحقيقة أنه لا بد لها أن تكون واعية بما يدور حولها ومدركة لما يحدث بالمهرجانات.. ومعدلة لهذه الأسعار وملزمة لجميع الفرق بتقديم حفلات مجانية لمناطق الظل الكثيرة.. والمناطق الداخلية أساسا.. وأن تتولى إرسال متفقدين لمتابعة محتويات برامج السهرات واحترام التعهدات والتوقيت وغير ذلك.. من بنود الاتفاقيات تجنبا للفوضى والتشكي والنحيب على أعمدة الجرائد.. وأن تتابع المندوبيات الجهوية مختلف هذه الأعمال من خلال تقارير علمية تقويمية وشبكات تقييمية ترسل الى اللجنة الثقافية الوطنية مثلما كان يحدث في السابق رغم التقصير والاهمال.. اضافة الى أن تقوم تلك المندوبيات بدور تحفيزي للمعتمديات الأقل حظا لأن ما نراه اليوم أن أصبحت الجهة مركز الولاية تستأثر بالدعم على حساب المعتمديات الأخرى. لقد تضخمت ميزانيات هذه المهرجانات من خلال ما كان يعطى للمهرجانات ذات الصبغة المحلية بل هي شعبية بالمعنى المتداول.. بعيدة عن الثقافة وطبوعها.. ففي بعض الأحيان يكون حفل الختان أو الزفاف أفضل منها بكثير من حيث الاستعداد والتنظيم والفرقة الموسيقية المؤثثة له.. وقرب هذه المهرجانات من مراكز القرار الجهوي جعل منها أن تأخذ نصيب الأسد على حساب بقية التظاهرات.. وفيها من سبق المهرجان الجهوي نفسه وهذا في غياب ترتيب تفاضلي للتظاهرات الصيفية داخل الجهة اعتمادا على أقدمية المهرجان وجمهوره العددي والأهداف التي انبنى عليها والفلسفة التي انعقد عليها.. وهذا الغياب لمثل هذه الاعتبارات تكرّس لدى المندوبيات في اعتمادها على آراء مديري دور الثقافة في عدم المعارضة والسقوط في فخ المجاملات والارتكاز على جملة من العلاقات والمصالح وتبادل الأدوار.. التواصل ضروري بين الهياكل إن المنح الهزيلة التي تمنح الى الجهات الثقافية المحلية والمجالس القروية لا تتناسب مع عمر بعض المهرجانات فرغم محليتها فإنها تأسست قبل مهرجان قرطاج والحمامات وطبرقة.. نعم هذه حقيقة لا ينكرها عاقل لكنها ظلّت تبعثر صخور أرضها تحت لهيب الشمس الحارقة.. مهرجانات لها أهدافها ومتطلبات جمهورها المستهدف وغايات ثقافة التغيير باعتبارها جوهر التغيير والعجلة الدافعة له وكان بالإمكان من الهيئات الثقافية الجهوية المسؤولة التواصل مع هيئات المهرجانات والوقوف على انتظاراتهم حتى لا تكون الدورات رتيبة متشابهة.. لا طرافة فيها ولا تجدد وأن تكون العروض في مستوى ما تصبو إليه الجماهير المتعطشة لكل ما هو راق وجميل وأن تكون هيئات المهرجانات تضم خيرة رجال الابداع أولا.. والمثقفين الذين يشهد لهم بالانفتاح والاطلاع الواسع على إغراق الثقافة ومتطلباتها ويكون لديهم وعي ثقافي وتربوي واجتماعي عميق ومواكبة للمتغيرات واستشراف لثقافة التغيير ومضامينها ومرتكزاتها.. نجد أعضاء ببعض المهرجانات لا يحسنون القراءة والكتابة ولا يفرّقون بين الغث والسّمين بل أن العروض الراقية لا تعنيهم بقدر ما يهمهم الرديء والرديء جدا من العروض، لأنهم في واقع الأمر يجدون أنفسهم معاها.. وما زاد الحال توعكا ندرة الامكانيات مما جعل عديد المهرجانات تولد كبيرة ويتراجع فيها الأداء والمطلوب حقن دوافع جديدة وإعطاء فرص أكبر للمناطق الداخلية المحرومة نسبيا من ورود الثقافة بجميع ألوانها وتنوعاتها.. وضخ دماء جديدة اعتمادا على مقاييس موضوعية وخصوصيات كل جهة سواء من الناحية النفسية والاجتماعية والجغرافية أيضا.. كمناطق الوسط الشرقي والغربي حيث البوادي الجميلة والأصالة العريقة فمن غير المنطقي أن نطالب الجهات المسؤولة بتمكين سكان تلك المناطق من حفلات غنائية وتؤثثها نجاة الصغيرة أو ماجدة الرومي وهاني شاكر لكن من غير المعقول أصلا أن نرسل إليهم فرقا موسيقية معروفة في الأعراس وفنانات علّقن «الصبّاط من هاك العام» وتناساهنّ الزمن وأسماء أخرى في دنيا الغناء الماسط.. والذي يوجع القلب أحيانا عندما تحتقر تلك «الحفنة» من أشباه الفنانين سكان مناطق الظل وشبابها بغنائهم وهم في أناقة غير فنية.. مطرب جاء بصبادري وسروال دجين «مبيّس»، وأخرى صعدت على الركح منتعلة «قبقاب» اسألوا علياء بلعيد وغازي العيادي! المصالحة مع الجمهور إن العروض المدعومة للمهرجانات هي ترضية للفنانين الذين عودتنا الأيام بعد كل تظاهرة فنية أو ثقافية بتذمّرهم و«نحيبهم» على صفحات الجرائد بدعوى أنه تمّ إقصاؤهم وأن في الأمر حسابات مثلما حدث مع ذلك الذي والى حدّ الساعة مازال «ينوح» ريثما يفكر فيه مسؤولو مهرجان قرطاج ويمكنوه من الغناء لبعض الوقت.. وهذه الترضية لمن لم يسعفهم الحظ ولا التدخل للفوز بالمهرجانات الكبيرة وهي توزع على فرق ضعيفة وفنانين نكرات ليس لهم إنتاج ولا قدم راسخة في الحركة الموسيقية وأغلبها من العروض المسرحية التي ليس لها جمهور ولا يقبل عليها الرواد في دور الثقافة ان وجدوا فما بالنا في فصل الصيف.. فصل الشواطئ والسهرات والمقاهي التي تفتح أبوابها ولا تغلق إلا مع مطلع الفجر ولا بد للآية أن تنقلب فتكون العروض المدعومة من خيرة العروض التي تدعم المهرجانات وتسهم في جلب الجمهور العريض إليها وأن تكون عامل مصالحة بين الجمهور والمهرجانات خاصة وأن المندوبيات الجهوية للثقافة لها ميزانيات ضخمة للدعم.. فلا تدعم المهرجانات مباشرة أو عن طريق هذه العروض ليظلّ الدعم هزيلا وعاملا من عوامل إفشال هذه المهرجانات الداخلية.