حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي كما لم تكن مسيرة «سي أحمد» بن صالح خالية من الفعل السياسي والفكري، بحيث رأينا عبر هذه المسيرة، كيف كان منهج الرجل في التعامل مع القضايا التنموية بالبلاد المستقلّة... لتوّها وكذلك أتى نفس الفعل وبنفس المنظار كان تعامله وفق ذات المسيرة مع القضايا التنموية عبر عدد من بلدان العالم، فإن صاحب المذكّرات، ومن منطلق ذات المسيرة، كانت له علاقات مع رجالات وزعماء معروفين في العالم أردنا ان نستقرئ معه، بعضا من هذه الشخوص... يقول «سي أحمد» معلّقا على السؤال، أو هو مردف بالجواب: «المسيرة في الخارج تأتت ضمن كوكبة من الأصدقاء يعملون جوهريا وفق نفس التوجهات ونحمل معا نفس الهموم «الهموم المجتمعية...» ويواصل «سي أحمد» ليضع الجواب في اطاره الزمني: «عندما انقطعت المسيرة في تونس، بالصورة المعروفة (وقد أوردناها بتفاصيلها عبر هذه الأعمدة) انطلقت الى بلد شقيق وعزيز هو الجزائر وفيها ومنها استطعت ان أنطلق في عديد المناطق من بلاد الله... وواصلت المسيرة الى جانب إخوان أعزّاء في الخارج، بعد أن انقطعت مسيرتي الى جانب الاخوان الاجلاء في تونس... وتواصلت هذه المسيرة الى آخر القرن الماضي...». سألت «سي أحمد» مستفسرة: هل تقصد أن جلّ هذه العلاقات قد انطلقت مع انطلاق المسيرة التنموية في تونس؟ قال: «نعم، وخاصة مساهمة جل الذين تعاونت معهم مدّة المنفى والذين تابعوا تلك المسيرة وساهموا في امكانيات تونس وفي نفسها النضالي التونسي... فأنا لم أقم بقطيعة مع تونس... وهم لم يتّجهوا نحو القطيعة معها وقد ساهمت، حسب ما ذكرت لك سابقا، أنني حاولت إثناء جهات دولية حتى لا تقطع التعاون مع تونس... لأن سبل هذا التعاون لم تكن يوما مع أو من أجل أشخاص»، وهنا أضاف صاحب المذكّرات بأن التضامن لابد وأن يكون في نطاق تنمية تونس، «فقد خلق مثل هذا التضامن مع الدول والجهات الصديقة، يضيف «سي أحمد»، خلق ودعّم صداقات تواصلت، كانت حيّة وفاعلة في مجال أوسع من المجال التونسي... وقد وجدت توجّهات تونس صدى كبيرا وأخذت بعين الاعتبار وأخذ منها ما أخذ أقول في شكل خميرة في أقطار مشابهة لتوجّهات تنموية اعتمدناها... كنا (تونس) مثالا يحتذى». من هنا، ووفق هذا المدخل، سألت «سي أحمد» عن شخصيات تكرّرت أسماؤها على لسانه طوال هذه الحلقات،وأساسا الوزير الاول السويدي ايرلندار الذي شغل منصبه هذا بصفة متواصلة لمدّة 25 سنة... وقد قالها السويديون لبن صالح ذات مرّة، بأن «ايرلندار يعتبرك ابنه...». يستطرد «سي أحمد» بعد أن بسطت عليه هذا الكلام، ليقول: «نعم، عن هذه المرحلة قد يجرّني حديث طويل بشأن المحتوى وبشأن التعامل مع الشخصيات الفاعلة، فكرا أو حكما (مفكّرون وذوو سلطة) لا بأس أن نقتصر على ذكريات تعني الاعتزاز... اعتزاز بأن روح المسيرة التونسية جلبت من بعض القياديين في بلاد بعيدة عنا، تأييدا وتعلّقا بها... لهذا سوف أمر سريعا على أمثلة من الصداقات من خارج منطقتنا... ذلك أنه وفي منطقتنا، أقول لنفسي إنني لا أحتاج الى تصوير جديد لتعلّقي بقضايا المغرب العربي (المغرب الكبير) وكذلك المجتمع العربي بصفة عامة... والمجتمع الافريقي كذلك. يقول «سي أحمد» مؤكدا ما ذهبت اليه في السؤال حول الصداقات في الخارج مع عدد من الزعماء المعروفين: «نعم،ففي المسيرة خارج الوطن، وجدت صداقات مثالية في أوروبا وفي غير اوروبا، وأعني آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية». قلت للتخصيص: من تذكر لنا من هذه الصداقات؟ قال: منذ الستينات (القرن الماضي) وعندما كنت وزيرا للاقتصاد والتخطيط،وقبلها عندما كنت في بروكسيل، وفترة النضال في الخارج (آخر الأربعينات وبداية الخمسينات) تعرّفت أولا على الوزير الاول السويدي «تاج ايرلندار» وكان ذلك سنة 1953 في ستوكهولم (عاصمة السويد) وذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر «السيزل» CISL في العاصمة السويدية... تعرفت على ايرلندار عن طريق زملائي النقابيين السويديين حيث جاء الوزير الاول الى المؤتمر... وكان ذلك بعد اغتيال الشهيد فرحات حشاد... وكان تجاوب «ايرلندار» مع ما بسطته عليه من معلومات، تجاوبا مشجعا ومتضامنا». هذه المسيرة الحافلة بالأحداث مازالت متواصلة عبر الحلقة القادمةإن شاء الله...