«لا تنسى أنّك من يحرّك الكأس»، هو عنوان المجموعة القصصية الأولى للكاتب السيد التوي والصادرة عن دار افريقية للنشر في طبعة متميزة. هذا الكاتب الجديد على الساحة الثقافية هو ابن منزل فارسي التابعة لولاية المنستير وهو خريج كلية الأداب بسوسة ومدرّس للغة العربية بأحد معاهد تونس العاصمة، ويستعد لاصدار ديوان شعري ورواية تحمل عوان «يدان لجريمة واحدة». منذ البدء يعلن السيد التوّي عن ميلاد كاتب سيكون له شأن في الساحة الثقافية التونسية، كاتب متمرّد عن قوالب اللغة وعن قواعد البلاغة القديمة، متمرّد عن أشكال الصورة الابداعية التقليدية في مستوييها الشعري والنثري، متمرّد عن واقعه المحلّي، وعن واقعه العربي والانساني عموما. لقد حاول السيد التوّي أن يؤسس لانسان جديد في مجموعته القصصية الأولى، أن يذكر الانسان بأنه هو من يحرّك الكأس، بمعنى أنه هو من يدير اللعبة ويتحكم في خيوطها، وهذه اللعبة سواء كانت في تفاصيل واقعها البسيط أم في تعقيدات الواقع السياسي لم تنته ولن تنتهي ما دام هو الذي يدير الكأس. البلاغة الحديثة تتكون هذه المجموعة من 37 أقصوصة صغيرة تعلن في عناوينها أنها مختلفة ويتأكد هذا عند التعمّق في نصوصها، ويبدو أن كاتبها متأثر بالأدب التجريبي أو ما يعرف بالكتابة على حافة الجنون، ولا شك أن عوالم «نجمة أغسطس» و«تلك الرائحة» و«حركات»، قد فعلت فعلها في المؤلف. فخرجت جمله عن سياقها المعتاد تركيبا وتعبيرا، فالجمل قصيرة لاهثة، متقطعة تقطع أوصال الواقع ومضطربة اضطراب الانسان. ولا بدّ أن المؤلف أيضا قد تفتح ذهنه على قضايا النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين وخاصة بعد هزيمة 67 حيث تولد الأدب التجريبي. كل هذه العوامل تتفاعل في صور أقاصيص المجموعة، إنه التمرّد على الواقع لغة ومنهجا اجتماعيا وفكرا سياسيا، كل هذا جاء في لغة بسيطة شفافة تشير الى ذلك الواقع الذي يغش فيه، لكننا لا ننتبه إليه، ذلك الواقع الذي نرى المرأة فيه مجرد مخزن لاشباع الشهوات الغرائزية ذلك الواقع الذي لا نجابهه إلاّ بالخمرة، فنستيقظ من هزيمة لنجد أنفسنا أمام دوائر سقوط جديدة هو سقوط حضاري بأتمّ معنى الكلمة، سقوط تتبعه اللعنات دائما كما حدث ل«صياد لغزال»، سقوط يجعلنا نلهث وراء مبرّرات عجزنا فنقتفي أثر «إسحاق» طالبين عفوه ورحمته. عمق المعنى إنّ بساطة اللغة في هذه المجموعة القصصية ليست سوى شرك ينصبه الكاتب لقارئه ليجلعه يغوص في الصور والمعاني العميقة الكامنة وراء موقف فكري وفني إبداعي من كل ما يحدث حولنا ومن كل ما يعيش فينا، ومن كل ما يسيطر على عقولنا، ويتحكم في مصائرنا. إن الحضور المكثف لعناصر مثل «الخمرة» و«المرأة» لم تأت من فراع، بل من واقع ومن وعي يكاد يسود في كل المجتمعات العربية. فما الحياة في ذهن الكثيرين سوى خمر وجنس و«غدا أمر». وأيّ غد يتولّد عن هذا الوعي، إنه لن يكون سوى غد الهزيمة والخيبة والانتهازية، هزائم سياسية (سقوط التمثال)، وخيبة في رجال الدين (الإمام والجارة المطلقة اللذين وجدا ميّتين في غرفة)، انتهازية الأصدقاء الذين يفعلون كل شيء ليكتسبوا مكانة ضمن سادة القوم، وعليه المجتمع. ورغم كل هذه الاحباطات يظل الانسان هو القيمة الثابتة التي تستطيع أن تستعيد ذاتها وتنهض من جديد لتفرض نفسها. إنّه نص جدير بالقراءة والتأويل أيضا.