عُرف (عنترة بن شدّاد العبسي) بأنه البطل المغوار، والشاعر الفحل، وهو العربي في العصر الجاهلي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وألهب الحماس عبر القرون والأجيال، وقد ارتبطت حياته الشخصية بقصّة حبه لابنة عمّه (عبلة ابنة مالك) التي عاش حياته كلّها هائما بها مجنونا بحبّها منذ نشأته صغيرا والى آخر أيام حياته، وفي هذا المعنى يخاطبها بقوله: رضعت هواك مع لبني صغيرا ويوم منيّتي أنوي فطامي وبإلقاء نظرة سريعة على ما اشتهر به عنترة العبسي يمكن ملاحظة الخصائص والميزات الآتية. 1) شجاعة وبطولة أصبحت مضرب الأمثال، وهو ما نلمسه في بعض أشعاره كقوله: إنّ المنيّة لو تعرّض شخصها لي في العجاج طعنتها في الأول وكقوله: إذا الأبطال فرّت خوف بأسي حصاني كان دلاّل المنايا وسيفي كان في الهيجا طبيبا ترى الأقطار باعا أو ذراعا فخاض غمارها وشرى وباعا يداوي رأس من يشكو الصّداعا 2) تعفّف وعلو همّة، وذلك بأنه كان يقتحم المعركة فيبلي البلاد الحسن ويحقّق النصر المؤزّر، ولكنّه يترفّع عن أن يمدّ يده الى الأخذ من الغنائم وما أجمل مخاطبته لعبلة في هذا المعنى حيث يقول: هل سألت الخيل يا ابنة مالك يخبرك من شهد الوقيعة أنني ان كنت جاهلة بما لم تعلمي أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم بل إن عنترة يغضّ بصره إن بدت له جارته حتى تتوارى عنه وتدخل خباءها، وفي ذلك يقول: وأغضّ طرْفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها 3) شعر الحكمة التي جرى مجرى الأمثال، وهو ما يؤكد لنا أن الشاعر كان ذا فكر ثاقب وبصيرة نافذة وحكمة فلسفية صائبة أثبتت الأيام صحتها وجدواها، ومن منا لا يمتدح قوله في عزّة النفس: لا تسقني ماء الحياة بذلّة ماء الحياة بذلّة كجهنّم بل فاسقني بالعزّ كأس الحنضل وجهنّم بالعزّ أطيب منزل أو قوله: واترك مجاورة اللئام وقربهم وإذا بليت بظالم كن ظالما واختر لنفسك منزلا تعلو به إن الكرام عن اللئام بمعزل وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل أو مت كريما تحت ظلّ القسطل 4) غزل رقيق وإن كان قليلا وكلّه في محبوبته عبلة ومما وجدته منسوبا إليه في وصفها هذه الأبيات التي تذوب رقّة وعاطفة ومبالغة تفوق كلّ وصف سابق أو لاحق: يكاد صبيب الماء يجرح جلدها ويخدشها لبس الحرير للينها ولو لبست ثوبا من الورد خالصا ولو تفلت في البحر والبحر مالح ولو واصلت شيخا كبيرا على عصى إذا اغتسلت بالماء من رقّة الجلد وتشكو الى الدادات من ثقل العقد لأخدش منها جلدها ورق الورد لأصبح ذاك البحر أحلى من الشّهد لأصبح ذاك الشيخ يغتال للأسد 5) تصوير فني بديع، فقد صوّر رسما فريدا من نوعه يصعب أن يتوفّق إليه غيره من الشعراء، فقد كان وهو في قلب المعركة ورماح الأعداء تنال منه وسيفه الهنديّ اللامع ملطّخ بالدماء متخيّلا فمَ عبلة يفترّ عن مبسم وثنايا بيض وشفتين حمراوين فيقول لها: ولقد ذكرتك والرّماح نواهل فوددت تقبيلَ السّيوف لأنها منّي وبيضُ الهند تقطر من دمي لمعت كبارق ثغرك المبتسم هذا قليل ونزر يسير مما اشتهر به هذا الشاعر العربي الجاهلي الذي أحبّه الناس وسكن قلوبهم، وألّف عنه الأصمعي سيرة مطوّلة كانت نزهة المجالس قديما وحديثا. العجاج والهيجاء: الحرب الوقيعة: المعركة أغشى الوغى: اقتحم المعركة الحنضل: نبات له حبوب طعمها شديد المرارة الجهالة: الحمق وانعدامه الرأي الصواب الدّادات: ج. دادة: الخادمة للمرأة القسطل: غبار تثيره سنابك الخيل في المعركة