هذا المنزل الكائن وسط قرية زعفرانة (القيروان) لم يعد مصدرا للفرح والبهجة بصوت صاحبه عبد اللطيف الغزي، السبب ان فناننا الشعبي المشهور فقد أحد «أبنائه» فانقلبت تلك المظاهر فجأة وتهافت الناس للعزاء. بينما لم يتوقف هاتف المطرب الشعبي عن الرنين يتلقى من خلاله عبارات «التعازي» والدعاء الصبر والسلوان. الفاجعة ألقت بأحزانها على منزل الفنان الشعبي عبد اللطيف الغزي اثر فقدانه أحد أقاربه ماهر الغزي (26 سنة) والذي يعتبره أحد أبنائه بينما لا يزال يرقد ابنه الفعلي (حلمي 22 سنة) وقريب له (فتحي 35 سنة) بالمستشفى وذلك اثر انقلاب شاحنة نقل خفيفة كانت تقلهم الى احد مزارع الفنان بمنطقة زعفرانة (15 كلم جنوبالقيروان). «الشروق»نشرت خبر الفاجعة في عددها الصادر يوم الخميس 10 جوان وجاء فيه ان شابا (26 سنة) لقي حتفه مساء الثلاثاء وأصيب أربعة شبان آخرون (في العقد الثالث) بجروح متفاوتة الخطورة اثر انقلاب شاحنة خفيفة كانوا على متنها اثناء توجههم الى مزرعة أحدهم على مستوى مسلك فلاحي ليلا. وقد تواصلت اقامة نجل الفنان الشعبي الغزي وأحد أقاربه على ذمة العلاج بينما تولت الجهات الامنية فتح تحقيق في الغرض لبيان أسباب الحادث. ولتقصي مزيدا من التفاصيل ومتابعة فصول الفاجعة، «الشروق» زارت منزل الفنان عبد اللطيف الغزي ورصدت أجواء الاحزان والعزاء وتفاصيل تدحض الروايات غير الرسمية المتداولة. أمام منزل الهالك تجمع عدد كبير من المعزين موزعين على عدد من الطاولات. داخل المنزل خصص المكان لاستقبال النسوة بينما كان أحد أقارب الهالك يستقبل طوابير الضيوف تارة ويتلقى عبارات المواساة والتعازي بواسطة هاتفه الجوال الذي لم يتوقف عن الرنين. بوجه لم يفقد نضارته وابتسامته المعهودة رغم ان الظرف مخالف لأجواء البهجة التي اعتادها كما اعتادها ضيوفه. الفنان عبد اللطيف الغزي كان يستقبل ضيوفه بنفسه عند ساحة المنزل ويوزع بينهم ابتسامة الاستقبال وهو يتلقى عبارات العزاء. وبنفس الابتسامة استقبلنا متحاملا على حجم الاحزان. وعن تفاصيل الحادث ذكر الفنان الغزي انه كان في منزله بالقيروان حوالي الساعة العاشرة من مساء الثلاثاء عندما اتصل به نجله حلمي (22 سنة) يعلمه بالحادث. وذكر ان نجله وابن عمه ماهر (26 سنة) وخال ماهر ويدعى فتحي (35 سنة) توجهوا على متن شاحنة خفيفة يقودها حلمي الى احدى مزارع الفنان بمنطقة زعفرانة بالقرب من منطقة الرماضنية. وقد توجهوا الى هناك لنقل علب البنزين ومستوعبات الماء لحارس المزرعة لتشغيل الجرار ومحرك البئر. فرس الليل وذكر السيد الغزي ان شاحنة الشبان توغلت على مستوى المسلك الفلاحي المؤدي الى «السانية» الا ان احدى الدواب (قال انها فرس) خرجت من ثنايا الظلام وقطعت عليهم الطريق فجأة فأدار السائق المقود لتجنبها غير انه وبسبب الحفر ترنحت الشاحنة فمالت نحو يسار السائق قبل ان تميل مرة ثانية من جهة مرافقه (ماهر) ثم ترتطم بالارض مما أدى الى وفاة الشاب ماهر نجل شقيق الفنان الغزي واصابة نجله حلمي وخال الهالك فتحي بجروح وكسور استوجبت نقلهما الى المستشفى. وقد نفى الفنان الغزي ما يتردد من روايات من ان هناك أكثر من ثلاثة أشخاص على متن الشاحنة مؤكدا انهم كانوا ثلاثة فقط. وذكر انه كان في القيروان عندما تلقى هاتفه الجوال مكالمة من نجله حلمي تخبره بوفاة نجل شقيقه ماهر وذكر انه تحول على عين المكان فوجد الشابين مصابين بجروح وهما في حيرة من أمرهما وفي صدمة كبيرة. أحد الأبناء اثناء روايته تفاصيل الحادث لم ينقطع هاتفه الجوال عن الرنين ليقاطع حديثه لحظات ثم يعود ثم ينهض لاستقبال المعزين قبل ان يواصل سرد الاحداث بعبارات مشحونة بالعبرات ويضيف «ان الهالك ماهر بمثابة ابنه وهو أكثر من شقيق لابنه حلمي». وذكر ان الاخير واثناء اقامته في المستشفى كان يردد اسم «ماهر». وأضاف ان ابنه حمزة الذي يجري اختبارات الباكالوريا تأثر كثيرا بالحادث وكاد يتخلف عن اجراء الاختبارات لولا تدخل أهله لإقناعه بضرورة عدم التغيب. وأكد الغزي ان الفاجعة أتت على كافة أفراد العائلة. وعن ابنه حلمي المصاب ذكر انه لا يزال نزيل المستشفى وأكد انه سيتولى نقله الى احد المستشفيات بسوسة لعدم توفر سرير بقسم جراحة العظام بسبب الاكتظاظ داخل القسم (حسب قوله). رغم شدة الصدمة الا ان الابتسامة لم تفارق محياه وهو يستقبل ضيوفه لكنه لم يخف شدة الحزن الذي خلفه فقدان قريبه الذي أكد انه بمثابة ابنه. وبين الرضا بالقدر وتمنيات الشفاء لنجله تركنا الفنان الغزي يستقبل عددا اضافيا من المعزين... هناك داخل احد الاقسام بالمستشفى لا يزال الشابان المصابان ينتظران تعافيهما من الجراح والكسور كما ينتظر ان تفلح مواساة الأقارب المتهافتين على الزيارة في مسح مشهد الحادث الذي فقدا فيه قريبهما وصديقهما من ذاكرتهما.