تونس «الشروق»: «مسافات الغبار» و«الباب الخلفي» و«ذاكرة الملح»، و«طفل ذلك القاع» و«صهيل الفوات» و«هذا الدون» و«حرير الوجد».. كلها روايات تحمل امضاء الروائي محمد الحيزي، وهي نتاج أكثر من ثلاثين سنة من الكتابة.. الحيزي كتب أيضا القصة القصيرة والمسرحيات، وآخر أعماله مسلسل «المتاهة» الذي يصوّر هذه الأيام وسيبث خلال شهر رمضان المقبل.. عن مشواره مع الكتابة وعن الريف والشخصيات الريفية ومدينة القصرين مسقط رأسه كان لنا معه هذا الحوار.. كيف بدأت قصتك مع الكتابة؟ بدأت قصتي من خلال حكايات الوالدة والوالد، وهي قصص يغلب عليها جانب غرائبي، لهما قدرة عجيبة على سرد الحكايات، وكنت صغيرا أقرأ للوالد وعمي «الهادي» نصوص قديمة مثل سيرة «سيف بن ذي يزن» و«غنتر ابن شداد». ومن الطرائف التي حصلت لي انني كنت أقرأ لعمي سيرة «سيف بن ذي يزن»، وقد مطط الكاتب في الأحداث، وكان بامكانه أن يفرق أعداءه بسيفه السحري، وطال ذلك فما كان من عمي إلا أن صفعني على الاطالة.. ماذا تعلمت من هذه الحادثة؟ هذا علمني باكرا أن التمطيط في السرد يعتبر حالة ضعف بالنسبة لأي كاتب، كما علمني قيمة الحدث والاثارة في أي نص يكتب، وهذا يغلب على أعمالي الروائية. كيف استفدت من حكايات الوالدة والوالد؟ نتيجة التراكم الذي حصل في طفولتي من حكي طريف كان له الأثر البالغ، خصوصا وأن أمي كانت قاصة بارعة ونصوصها الحكائية تقوم على جانب سحري مهم ويقوم على الحكمة. كما كان والدي يحفظ عن ظهر قلب السير مثل سيرة عنتر والحجاج بن يوسف.. ماهي الروايات التي تضمنت حكايات من ذاكرتك؟ «الباب الخلفي»، وروايتي التي تحصلت على جائزة المدينة «حرير الوجد»، وهو نص في مناخات الروايات السحرية. ماذا عن أول كتاباتك؟ كنت أكتب الخواطر وأنا في السنة أولى ثانوي ونشرت هذه النصوص في جريدة «الأنوار» التي احتضنت أغلب كتاباتي، ومازلت الى الآن أكن لها حبا خاصة لكونها قدمت لي الكثير وحفزتني على الكتابة.. هل بدأت روائيا؟ لا، بدأت بكتابة القصة القصيرة، وقد أنجزت في بداياتي ما يقارب 400 قصة قصيرة حازت على جوائز في عديد التظاهرات الأدبية.. لكنها لم تنشر؟ هذا صحيح لأنني اعتبرت تلك النصوص تمرينا لكتابة الرواية ولم أنشرها اطلاقا.. متى صدرت لك أول رواية؟ أول رواية لي صدرت عام 1994، عن الدار العربية للكتاب بعد أن نالت جائزة سيادة الرئيس، وكانت بعنوان «الباب الخلفي لمدينة النسيان والدهشة»، وهي رواية تناولت فيها التحولات التي قامت في مدينة القصرين.. كم رواية أصدرت الى حدّ الآن؟ 7 روايات، ومخطوط رواية جديدة ستصدر هذا العام، ونصوص شعرية مازلت بعد لم أجازف بنشرها. لماذا؟ لكوني أرهب الشعر ولا أطمئن إليه، وتجد أغلبه منثورا في رواياتي.. لماذا اخترت الرواية للتعبير؟ لأنها فضاء رحب يتسع لما أريد قوله، وبما أنني كائن جبلي وعشت ردحا من الزمن في الريف فإنني أعشق المساحات الشاسعة ووجدت نفسي أتنفس بيسر في هذا الفن الابداعي. لكنك تحولت هذا العام الى كتابة الدراما التلفزية؟ أنا عاشق للصورة وخاصة السينما وما أتابعه من أشرطة سينمائية يفوق بكثير ما أطالعه من روايات، كذلك أنا مبهور بالمسرح، ولي نصوص مسرحية أنجز منها واحد تحت عنوان «المستوج»، ولأنني أعيش في مدينة مثيرة للعين من خلال شخصياتها وعمرانها وطبيعتها القريبة من الريف فإن ذلك دفعني لكتابة الدراما وتقديم شخصيات قد يكون المتفرج التونسي لم يألفها من قبل وخاصة منها الريفية.. وكأن لك عتابا على من قدموا شخصيات ريفية؟ الشخصيات الريفية والريف عموما مازال لم يحظ بعد بما يجب أن يكون عليه وظل سجين الريف الساذج الذي يعيش مقالب ابن المدينة، وهذا ليس صحيحا، فأغلب اطاراتنا هم من أبناء الريف الذين تمكنوا من بلوغ أعلى المراتب. وهل «المتاهة» هو أول كتاباتك للتلفزيون؟ لا، كتبت قبله «زقاق لا يحتمل الضيق» الذي صار بعد إعادات لكتابته بعنوان «حومتنا حكايات»، حيث تمثل المدينة فيه بنسبة 80٪ على عكس «المتاهة» الذي تدور أحداثه في فضاءي المدينة والريف، لكن برؤية أخرى للريف الذي تغيّر وصار مكانا يحلو فيه العيش. هل يمكن للأديب أن يعيش من أدبه؟ لا، هذا صعب جدّا حتى لا أقول مستحيلا، الأدب محنة تصيب المبدع فلا يجد مفرا منه، الأدب أقرب ما يكون الى حالات من التنفيس الذي يجب أن يقوم على موهبة فعلية تتطور وتنتج في النهاية أعمالا جديرة بالقراءة. وهل هناك كتابات غير جديرة بالقراءة؟ هناك في تونس حالة من اهدار للورق وللحبر، لأن ما نسبته 90٪ من الكتب المنشورة غير جديرة بالقراءة، على الكاتب أن يعيش حالة من القسوة أثناء الكتابة حتى يكون هناك كتاب تونسي جدير بالقراءة، وبأن ندفع ثمنه. بعد اقتحامك مجال الدراما التلفزية، هل ننتظر منك القطع مع الرواية؟ لا، تظل الرواية ذلك الهم الذي أحمله دائما، لكن الدراما لها نصيب الأسد في هذه الفترة وأجد فيها متعة تضاهي الرواية، ونجاح «المتاهة» هو تأشيرتي للاستمرار في الكتابة الدرامية.. وهل تتوقع له النجاح؟ أتوقع له نجاحا ممكنا نظرا لما يبذله مخرجه نعيم بن رحومة من مجهود صحبة فريق المسلسل، وما يجعلني أتوقع النجاح هو حالة الاحتفال بالنص الذي يعيشه الجميع وخاصة الذين يؤدون أهم الأدوار في العمل. من شجعك على خوض هذه التجربة؟ مدير قناة 21، الفنان حمادي عرافة الذي قرأ السيناريو وكان لي عونا في بعض التعديلات التي قمت بها، الى جانب المنتج نجيب عياد، وصديقي مهندس الصوت محسن الفريجي، هذا الفنان الذي يعمل في صمت. ماهي هواياتك بعيدا عن الكتابة؟ مشاهدة الأفلام والمسرحيات، وأيضا الصيد. هل لك صديق؟ لي أصدقاء وأغلب هؤلاء هم أبطال رواياتي، مثل علي العلوي والشاذلي شعبان وعبد الرزاق الحمزاوي.. لمن تدين بالفضل؟ لوالدتي ووالدي رحمه الله، ومعلمي الذي درّسني في الابتدائي وحفزني باكرا على الكتابة والمرحوم عبد الحفيظ حقي. هل ورث أبناؤك موهبة الكتابة عنك؟ بالنسبة ل«نسرين» و«فارس»، وجهتهما علمية رغم المكتبة الضخمة في بيتي، ولعل جيناتي موجودة في ابنتي «عزّة» وابني «محمد عزيز» المسكون بالصورة والذي يتحدث العربية الفصحى رغم صغر سنه.