لؤلؤة مكنونة في قلب محارة تبدو مدينة سوسة العريقة يدثّرها بساط من الجمال وتداعب جدائلها مياه شاطئ بوجعفر... لذلك اطلق عليها «جوهرة الساحل». وللمدينة الجوهرة تاريخ حافل فقد اسسها الفينيقيون في الألف الاولى قبل الميلاد وسموها «حضرموت» واتخذوها ميناء بحريا لسفنهم.. ثم سماها البيزنطيون «جوستينا» نسبة للامبراطور البيزنطي الذي احتلها. أما اسمها الحالي «سوسة» فقد اطلقه عليها المسلمون الذين شهدت في عهدهم ازدهارا حضاريا وثقافيا كبيرا حيث تحوّلت الى أحد مراكز العلم البارزة من خلال المدارس العلمية التي أنشئت فيها والتي يعدّ من أبرزها الجامع الكبير في قلب المدينة والذي تأسس في القرن الثاني الهجري على يد الأغالبة ليتحوّل الى منارة علمية قصدها طلاب العلم من مختلف اصقاع العالم الاسلامي. قاعدة بحرية هذا الى جانب المساجد ورباطات العلم الاخرى التي باتت سمة من سمات جوهرة الساحل مثل مسجد ابوفتاتة الذي يعدّ من أقدم مساجد المدينة والذي يعود كذلك الى فترة الحكم الأغلبي في القرن التاسع ميلاديا وجعل الأغالبة من سوسة قاعدة بحرية حصينة. كما بنى زيادة الله الأول سنة 821 ميلاديا القصبة التي تضم الرباط والترسانة الحربية التي احاطها سور منيع فيما أقام فيها من بعده أبو العباس سنة 844 ميلاديا القصبة الجديدة. وقد لعبت سوسة دورا محوريا في تاريخ شمال افريقيا عموما عندما تولاها ابو ابراهيم احمد حيث تحوّلت الى احدى أكبر مدن افريقية وأهم المنافذ البحرية. ويذكر المؤرخون هنا انه من مرفئها انطلق اسد بن الفرات في القرن التاسع للميلاد وألحق صقلية بالحكم الاسلامي. تراث عالمي غير ان دور سوسة عاد للتراجع في عهد الدولة المهدية التي تأسست على يد الخليفة الفاطمي المهدي سنة 945 ميلاديا لتعود مجددا للازدهار اثناء حكم الحفصيين لها في القرن الثالث عشر الميلادي. وقد شهدت جوهرة الساحل بعد ذلك الكثير من التقلبات السياسية غير انها ظلت محافظة على مكانتها التي استمدتها من جمال طبيعتها وتاريخها العريق. ونظرا للمكانة الكبيرة التي حظيت بها والاهتمام العالمي كما تم ادراج مدينة سوسة العتيقة في قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو في ديسمبر 1988. وقد حظيت المدينة العتيقة بهذا الاهتمام العالمي نتيجة لما تضمه من معالم اثرية وتاريخية قاومت كل العوامل الطبيعية والسياسية وظلت شاهدا حتى اليوم على عظمة المدينة بدءا من سورها الذي يغطي مساحة 32 هكتارا بطول محيط يقدّر ب 2.3 كيلومترات.