إن دراسة شخصية الامام الجليل المازري، إنما تنبع من دراسة التاريخ الثقافي والاجتماعي لافريقية إذ لا فصل بين مقومات تاريخنا الثقافي ودراسة شخصياته العملاقة والمهمة التي أبرزت هذه المقومات... والمازري يعتبر رائدا في هذا المجال إذ يندر ألاّ تتعرض دراسة لاقواله التي طبع بها الفقه الاسلامي ووجهه وجهة مشرقية فيها الوضوح والتنظيم... والعلم الموضوعي الاصيل... هو عبد الله بن محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري نسبة الى مازر وهي مدينة على الساحل الجنوبي من جزيرة صقلية وهي أول بلدة امتلكها الجيش الاغلبي الفاتح على يد القائد أسد بن الفرات... سنة 212 هجرية والتي مثلت آخر معتقل للاسلام بالجزيرة. ولد الإمام المازري عام 453 هجرية الموافق ل1061 ميلاديا ويذكر القاضي عياضي أن المازري استوطن مدينة المهدية ولا يمكن أن يكون من مواليدها. عاصر الإمام المازري أواخر أيام الدولة الصنهاجية التي حكمت افريقية... لم تذكر المصادر للمازري رحمه الله سوى شيخين فقط هما أبو الحسن اللخمي بتاريخ 478ه وعبد الحميد الصائغ بتاريخ 486 هجرية وربما كان الاقتصار عليهما راجع بالاساس الى مكانتهما... وقد يكون من أسباب قلة شيوخ الإمام المازري نفعنا الله به رزوخ افريقية تحت سيطرة الاعراب ذلك أن العلماء تفرقوا واستقروا في أماكن بعيدة عن فوضى الاعراب... على خلاف قلة شيوخ المازري فقد أبرزت المصادر التي أمكن لنا تفحصها كثرة تلاميذه الذين أخذوا عنه واستفادوا من علمه... وقد أتوه وراسلوه من مختلف أصقاع البلاد الاسلامية سواء من افريقية والغرب... أو الاندلس... من أشهر تلاميذه الافارقة ابن الحداد... بتاريخ 570 هجرية الذي كان له الفضل في قراءة ونشر كتاب شيخه الإمام المازري «المعلم في فوائد مسلم» ومن تلاميذه المقاربة المعروفين نجد القاضي عياض بن موسى بن عياض بتاريخ 544 هجرية وهو من أصل أندلسي والذي لشدة إعجابه بشيخه المازري حرص على تكميل «معلمه» بكتاب أسماه «اكمال المعلم» ومن أشهر تلاميذه الاندلسيين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة الشاطبي بتاريخ 566 هجرية كما أبرزت بعض المصادر تلمذة أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد القرطبي... بتاريخ 595 هجرية... كان الإمام المازري فقيها أصوليا ومقنيا... اعتنى كثيرا بصحيح مسلم حتى عدّ من أول شراحه وقد أسمي كتابه «المعلم في شرح كتاب مسلم» لأن اهتمامه انصب بدرجة كبيرة بشرح الاحاديث الواردة في صحيح الإمام مسلم والتعليق عليها لغويا وفقهيا وكلاميا ليتجلى لنا عمق ثقافته اللغوية المتينة. وكشأن الجلة من العلماء المجتهدين حرص سيدي المازري على تقديم اجتهاده... في مجموعة من المشاكل الفقهية الكلامية في دروسه... وتكاثرت الشروح التي التزمت «معلم المازري» واتبعت خطاه متممة لكلامه، مضيفة لاختصاره... شارحة لاشاراته أو مطنبة في المواقع التي لم يتحدث عنها، من ذلك: إكمال المعلم للقاضي عياض. إكمال إكمال المعلم لأبي عبد الله محمد بن خلفة الوشتاتي الأبي. بتاريخ 827 هجرية وغيرهم. كانت وفاة شيخنا الإمام سيدي المازري سنة 536 هجرية الموافق ل1141 ميلاديا، بالمهدية ودفن بمدينة المنستير في مدة آخر الامراء الصنهاجيين الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز، على أن الشهرة التي بلغها سيدي المازري في علمه وورعه وتقواه كما يرى الدكتور الطاهر المعموري قد أحيطت بهالة من التعظيم والتقدير والتقديس تحولت الى حكايات شعبية فيها الكرامات وخوارق العادات المنتشرة في كامل تراب الساحل التونسي خاصة في المنستير، وغنى المنشدون ألحانا دينية فيها إشارة واضحة بفضائل الامام والتنويه بشأنه... «يا مازري حل البيبان... أنا جيتك يا سلطان... إن شاء الله الحاجة مقضية».