لا يمكن لجولة المفاوضات المباشرة التي تحتضنها الرئاسة الأمريكية في البيت الأبيض اليوم أن تنجح لعدة اعتبارات جوهرية واستراتيجية. فهي مفاوضات خضعت للكثير من التجاذبات وللكثير من نكران الحقوق الوطنية الفلسطينية «غير القابلة للتصرّف» وفق توصيف الأممالمتحدة. وهي جولة من المفاوضات تشوبها سياسة الالتفاف الاسرائيلية ولا تخضع الى القرارات الأممية ذات الصلة. المفاوضات التي يحتضنها «أوباما» اليوم في البيت الابيض، بين عبّاس (رئيس السلطة الفلسطينية) ونتانياهو (رئيس وزراء الكيان الصهيوني) هي جزء من جولة ظرفية أتاها «أوباما» لتخدم سياسات مرحلية أمريكية، تهم بالأساس تأمين ولاية ثانية من عدمها لباراك أوباما. إذ مطلوب منه في هذه المدة الرئاسية الاولى أن يحقق «نجاحا» في ملفين شائكين: قضية فلسطين وقضية احتلال العراق. على أننا نقصد بالنجاح في الملفين، نجاحا أمريكيا يخدم المصالح الامريكية ولا نقصد البتة ان يهم النجاح قضية فلسطين او موضوع احتلال العراق، فتلك مسألة أخرى لا تدخل في اهتمامات معدّي الطّبختين : المفاوضات المباشرة بالنسبة لفلسطين والانسحاب الأمريكي بالنسبة لقضية العراق. المفاوضات المباشرة التي تنطلق اليوم في واشنطن وقد تموت في نفس لحظات انطلاقها نظرا لافتقادها سند الشرعية التي تتطلبها قضية مثل القضية الفلسطينية رافقها هرج اعلامي كبير، فيه من التزييف ونكران الحقوق الوطنية الفلسطينية الموثّقة لدى الدوائر الأممية ما يجعل الاعتقاد في نجاحها ضئيلا. إن المتابع للتصريحات والمزايدات، التي تصدر من هنا وهناك، حول هذه المفاوضات يلاحظ دون شكّ أن في الأمر لغزا. واللغز هنا يرتكز على معطى أساسي وهو رفض اسرائيل لمنطق السلام حتى بصورته المجحفة التي قدّمها خيار «أوسلو» وهنا لا نصل حد الاشارة الى قرار التقسيم 181 الصادر عن الأممالمتحدة لأن «اسرائيل» بكل مكوّناتها السياسية تنكره وتتنكّر له وهي بذلك تراوح في نفس النقطة : لا لدولة فلسطينية مستقلة ولا لعودة القدسفلسطينية ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين. فلماذا التمويه في واشنطن وفي تل أبيب وفي عواصم عربية بشأن نتائج هذه المفاوضات اذا كان الجميع على بيّنة من أن مفاوضات البيت الابيض اليوم ستولد ميتة من حيث أنها متنكرة لكل هذه القضايا الاستراتيجية؟ اليوم تنطلق المفاوضات في البيت الابيض و«أوباما» مزهو لأنه يعتبر أن تجالس نتانياهو و«أبو مازن» عنده في واشنطن هو الهدف وليس الوسيلة. مفاوضات واشطن اليوم محاطة بأجواء اعلامية فيها من الدعاية الكثير الكثير، ليست سوى هدف لخدمة سياسة الولاياتالمتحدةالامريكية في المنطقة العربية، وهي سياسة تعتمد على مسألتين هامتين. الاولى: اعادة النظر في أساليب الاحتلال بحيث يصبح الاحتلال ينفّذ بآلية جديدة تُسمى «اتفاقية السلام»، والثانية: توطيد التحالف العضوي مع «اسرائيل» على مرآى ومسمع الجميع وتطبيق ذلك التحالف عبر مسرحية سخيفة لا تنطلي حيلها سوى على الذين دفنوا رؤوسهم في الرمل كما النعامة. هي طبخة للاستسلام التام تريدها اسرائيل والولاياتالمتحدة حتى لا تكون هناك عودة الى التعاطي مع ملف الاحتلال الصهيوني لفلسطين، الا عبر تجريم المقاومة والمقاومين... تلك هي «شرعة» الامبريالية المتفرّدة بالعالم. فهل يغضب العرب... من هكذا مشهد وهم على ذلك قادرون؟ الأمل في ذلك ضعيف، ضعف الاعتقاد بأن هذه المفاوضات ستتخطى ظرفية «صورة للذكرى».