شهد الموسم الفلاحي الحالي ظروفا مناخية صعبة اتسمت بانحباس الأمطار وتواصل الجفاف في كامل تراب الجمهورية وهو ما أثّر على أشجار الزيتون تأثيرا حادا وخصوصا في ولايات الجنوب الشرقي الثلاث قابسومدنين وتطاوين، حيث يسجل نقص في نزول الأمطار لثلاثة مواسم متتالية وأصبحت أصول الزياتين في وضعية حرجة وتتطلب التدخل العاجل من كافة الجهات المعنية والمتداخلة، فالمسألة لم تعد تتعلق بنقص كميات الانتاج من الزيتون بل بحياة الشجرة من الأساس. وتبدو الجهات المختصة واعية بجسامة الوضع ومتابعة له بكل دقة ويتجلى ذلك في محاولة وضع استراتيجية تتمثل في إقرار برنامج لري مليون و235 ألف أصل زيتون بالولايات المذكورة ورصد اعتمادات مالية قيمتها مليون و235 ألف دينار تصرف في شكل منحة قيمتها دينار واحد لكل أصل زيتون يقع ريه. غير ان ما يلاحظ في هذا الصدد ان تخصيص مبلغ دينار وحيد لدعم ري شجرة زيتون يعتبر زهيدا جدا وبعيدا بعدا كبيرا عن تغطية الكلفة الحقيقية، اذ حدثنا بعض الفلاحين من ولايتي مدنين وتطاوين ان حالة العطش المزمن تجعل الشجرة في حاجة الى كميات هائلة من الماء قد تصل الى صهريج كامل بالنسبة للأصول كبيرة الحجم وإذا علمنا ان صهريج الماء يتراوح ثمنه في هذين الولايتين بين عشرين وأربعين دينارا فإن مبلغ الدينار المذكور المزمع تقديمه بعنوان الدعم يبدو هزيلا وغير واقعي، وهو ما يدعو الى إعادة النظر في حجم هذه المنحة وتغيير طريقة التعاطي مع هذه المشكلة فالمسألة لا يجب ان ينظر إليها على أنها منحة مساعدة بل يفترض التعاطي معها على أنها خطة إنقاذ وطنية تتطلب التدخل المادي والمعنوي من كل الجهات المهتمة بحاضر ومستقبل هذا القطاع الاستراتيجي. الجهات المسؤولة على القطاع الفلاحي حاولت في اتجاه مواز تنفيذ مشروع لإحداث 30 ألف هكتار من غراسات الزيتون المروية وتمتيع الغراسات المحدثة في هذا الإطار بمنحة تصل الى 50٪ من ثمن الشتلات ويهدف هذا المشروع الى توفير حد أدنى من الانتاج السنوي لزيت الزيتون للمحافظة على التزامات بلادنا تجاه السوق الاوروبية وقد بلغ انجاز هذا المشروع مراحل متقدمة. هذا المشروع ولئن قد يضمن تحقيق انتاج ثابت ومتوازن حسب ما تقتضيه العقود المبرمة مع السوق الأوروبية فإنه يخشى ان يحوز على صدارة اهتمام الجهات المعنية ويحجب بالتالي بقية القطاع البعلي الذي يمثل الحجم الأكبر والذي يفترض ان توجه إليه العناية أكثر بحكم عدد العاملين فيه والمستفيدين منه وكذلك لأنه يشكل المحور الأساسي لمجال الفلاحة البيولوجية الذي بدأ التخطيط له كي يصبح أهم القطاعات الفلاحية على الإطلاق.