تونس الشروق : أحيا الفلسطينيون الثلاثاء الماضي الذكرى العاشرة لانطلاق انتفاضة الاقصى والتي جاءت كردّ مباشر على اقتحام رئيس الوزراء الصهيوني الاسبق أرييل شارون للحرم القدسي الشريف محاطا بثلاثة آلاف عنصر من الشرطة ورجال حرس الحدود والذي اعتبر استفزازا سافرا لملايين العرب والمسلمين، كما كانت الانتفاضة بصفة غير مباشرة ردا على نتائج المفاوضات المباشرة في كامب ديفيد في نفس السنة... مرت عشرة أعوام على ذلك التاريخ لكن لا شيء تغير سوى أن المشروع الصهيوني ازداد تغوّلا في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. اضافة الى «مرض» الانقسام الذي أصاب الفلسطينيين فأحالهم الى مجموعات سياسية متناحرة لا تقوى حتى على العودة الى وضع سنة الألفين. وأمام تواصل نزيف الدم والأرض الفلسطينيين سلطت «الشروق» الضوء على الوضع الراهن في الاراضي المحتلة، أملا في الحصول على بعض الاجابات حول أسباب خمود الانتفاضة قبل تحقيقها لمطالبها، وعن الاتهامات التي يوجهها البعض الى عامل دخول السلاح بافشال انتفاضة الاقصى. قدم الفلسطينيون كشعب الكثير من أبنائهم للحفاظ على انتفاضتهم التي انطلقت يوم 28 سبتمبر من عام 2000، فاستشهد منذ ذلك اليوم 7407 فلسطينيين من بينهم 1859 طفلا تقل اعمارهم عن 18 عاما، كما استشهدت 476 امرأة. ومنذ اندلاع الانتفاضة التي بقيت قائمة الى يومنا هذا، لم يعلن أحد خلال العشر سنوات الماضية نهايتها، واعتقلت قوات الاحتلال وخطفت 72 ألف فلسطيني من بينهم 820 امرأة و8000 طفل. اليوم يقبع 280 طفلا قاصرا تتراوح أعمارهم ما بين ال 16 وال 18 في سجون الاحتلال، اضافة الى وجود أكثر من أربعة عشر أسيرا في العزل الانفرادي منذ أكثر من خمس سنوات، كما تضم المعتقلات حوالي 1500 معتقل هم إما معاقون او مصابون بالشلل او السرطان وغيرها من الامراض الخطرة. اليوم بلغ عدد أسرى الانتفاضة الذين استشهدوا في سجون الاحتلال جراء التعذيب والاعتداءات المباشرة عليهم والاهمال الطبي 203 أسرى. هؤلاء الاسرى ليسوا الا جزءا من الشعب الذي اختار أن ينتفض ولم يكن في ذلك الحين أسير الصراعات والخلافات الداخلية، وربما أكبر دليل هو تعداد أسرى كل فصيل أو حركة فلسطينية. يقبع اليوم في السجون الصهيونية ممثلون عن كل حركة دون استثناء، حيث نجد ان حركة «فتح» لها في الأسر 3120 مناضلا و1526 لحركة «حماس» و320 للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و678 للجهاد الاسلامي و168 للجبهة الديمقراطية. قدّم الشعب الفلسطيني الكثير ومازال لكن الاحتلال ماض قدما على نهجه الاستعماري، لم يتخلّ عن دمويته ولا عن أطماعه ومشاريعه الاستيطانية، بل أصبح أكثر اصرارا على انجاح المشروع الصهيوني في المنطقة ككل. وفي الجانب الآخر من الدائرة يقبع سياسيون انقسموا الى شقين الاول عاد الى طاولة المفاوضات المباشرة دون ان تتوفر شروط العودة التي حدّدتها منظمة التحرير الفلسطينية والآخر أخذ مسافة من الشق الاول في انتظار النظر في شرعيته وشرعية نضالاته الماضية. التاريخ يعيد نفسه، هكذا وصف البعض ما تعيشه الاراضي المحتل اليوم من تفاقم للانتهاكات الصهيونية مقابل تمسك لا مبرر له بالمفاوضات المباشرة التي أصبحت غطاء للانتهاكات وستارا يختفي وراءه غول الاستيطان والتهويد. ويذهب البعض الى أن المرحلة الراهنة ليست فقط اعادة أو تكرارا لما شهدته الاراضي المحتلة قبل انتفاضة الأقصى وإنما هي نسخة أكثر رداءة وسوادا. وبمناسبة ذكراها العاشرة سارع بعض الساسة الفلسطينيين الى تبرير خمودها و«فشلها» باستعمال الفلسطينيين للسلاح خلال هبتهم الجماهيرية وأن المكاسب «كانت لتظهر لولا دخول الفصائل المسلحة على الخط». هؤلاء لديهم وجهة نظر ولديهم «نظارات» قادرون بواسطتها على رؤية شريك سلام اسرائيلي لا يراه باقي الفلسطينيين، وهم كذلك المتمسكون بوسيط «السلام» الامريكي، الذي قدم وبمناسبة تلك الذكرى دليلا آخر على «حياده». فقد قدمت ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما مؤخرا جملة من الضمانات لحكومة الاحتلال الصهيوني ورُفضت جميعا، وفي المقابل عاد الفلسطينيون بعد جهد أمريكي جهيد الى طاولة المفاوضات المباشرة دون أي ضمان. ولغرابة الضمانات التي قدمتها الادارة الامريكية للصهاينة ارتأينا تقديم بعضها وهي أولا ضمان امريكي ببقاء قوات الاحتلال في غور الاردن، ثانيا تزويد اسرائيل بأسلحة أمريكية متطوّرة عند التوصل الى «تسوية» مع الفلسطينيين ثالثا التزمت أمريكا باحباط أية محاولة من المجموعة العربية لطرح القضية الفلسطينية على مجلس الامن، إضافة الى التعهد بمنع أي محاولة لجعل وقف البناء الاستيطاني شرطا مسبقا للمفاوضات ليصبح الاستيطان نقطة للتفاوض وليس كما يقول القانون الدولي والواقع إنه مخالف للقانون أصلا وإنه عمل استعماري وانما المفاوضات هي من تقرر حسب رأي «وسيط السلام»، أسوة بقضايا الحل النهائي مثل حق العودة والقدس واللاجئين والحدود. إذن هذه أهم سمات الواقع الفلسطيني وأبرز تجليات الفشل السياسي الفلسطيني والعربي، بعد عشر سنوات لم يحصدوا خلالها استحقاقات الانتفاضة، كما أن الانقسامات شغلت الفصائل الفلسطينية عن اجراء عملية لنقد أنفسهم ومراجعة حساباتهم مما ينبئ باستمرار الحال على ما هو عليه إن لم يتدحرج أكثر نحو الاسوأ.