انقضت اليوم أربعة أيام تقريباعلى هلاك مروان ومحمد أمين في وادي مجردة (على مستوى منطقة مستوتة من ولاية باجة)لكن الحزن لا يزال يلف أسرتي الفقيدين وجيرانهما، فرغم إيمانهم بقضاء اللّه وقدره فإنهم استقبلونا بعيون باكية وقلوب منكسرة. جدّت الواقعة كما ذكرنا في العدد السابق من «الشروق» يوم الجمعة الماضي وتمثلت في هلاك مروان ومحمد أمين غرقا في مياه ودي مجردة بعد أن عجزا عن السباحة ولأجل الحصول على أكثر التفاصيل حول الواقعة، انتقلت «الشروق» الى منزلي الغريقين وجمعت تصريحات بعض أفراد عائلتي الغريقين وبعض جيرانهما. لدى وصولنا الى منطقة مستوتة استقبلنا أحد جيران الهالكين واقتادنا الى منزل السيد محمود الغربي والد الغريق محمد أمين البالغ من العمر 14 سنة والمنتقل بنجاح الى السابعة أساسي. السيد محمود كهل في عقده الخامس وهو أب لولدين وبنت وعامل وقتي ورغم انهياره النفسي الواضح فقد أفادنا أنه لم يعلم بالأمر إلا بعد ساعات إذ أنه يعمل بمكان لا يمكن ادراكه إلا عن طريق القطار.. وسكت ليأخذ فرصة للبكاء ثم أضاف أنه لا يصدق ما حدث وأن كل ما لديه من معلومات هو أن ابنه العزيز عليه محمد أمين قد مات.. وأشار الى ابنه جوهر الذي يصغر الغريق بسنة باعتباره الوحيد الذي يمكن أن يقدم لنا التفاصيل إذ أنه حضر الواقعة من بدايتها إلى نهايتها.. نظرنا الى جوهر فإذا هو يرسل نظراته هنا وهناك ولا ينطق بكلمة. وهنا تدخل أحد أقارب الهالك ليفيدنا بأنّ جوهر لم ينطق بجملة مفيدة منذ يوم الواقعة فهو يتحدث بكلمات متفرقة لا تؤدي معنى تاما حتى ولو جُمعت معا وعلمنا بعد ذلك من محدثنا أن الطين الذي تكتّل حول موقع الحادثة كان على الأرجح السبب الرئيسي في غرق الولدين إذ أنهما علقا به ولم يتمكنا من العودة الي سطح الماء. انحلت عقدة لسانه ما كاد السيد المؤدب ينهي حديثه حتى دنا منّا جوهر المصدوم.. حدّق النظر إلينا ثم انحلت عقدة من لسانه انطلق يسرد ما حدث بالتفاصيل وكأنه أفاق من غفوته واستعاد رشده فتحلّق الجميع حوله غير مصدقين آذانهم. أفادنا جوهر أن أخاه (محمد أمين) خرج ليصطاد السمك بالوادي في مقطعه المجاور للمنزل صحبة صديق له ثم لحق بهما محدثنا (جوهر) وبعد ذلك لحق مروان (الغريق الثاني) واكتمل النصاب بوصول صديق آخر الى مكان الحادث واشترك الجميع في صيد الأسماك. وفي الأثناء اقترح مروان على محمد أمين فكرة السباحة فلم يمانع لما يعلمه في صديقه من قدرة فائقة على الغوص وبذلك انطلقت رحلة السباحة. من السباحة الى التخبّط ولدى سؤال «جوهر» عن عملية الغرق أفادنا بأن مروان قد حمل محمد أمين على كتفيه وتدرّج به داخل الماء الى أن بلغا احدى دعائم الجسر وما هي إلا لحظات حتى لاحظ جميع الأطفال الحاضرين بالوادي أن السباحين يتخبطان ويطفوان ثم يعودان تحت الماء، إلى أن غابا لفترة جعلت أحد الحاضرين يتأكد بأن في الأمر غرقا وليس مجرّد عبث بالماء. فأطلق ساقيه للريح حتى يعلم أمّه التي أعلمت عائلتي الغريقين. وقد فهمنا أن صمت جوهر لم يكن ناتجا عن صدمته فحسب بل كان ناجما أيضا عن خوفه من تحميله مسؤولية ما حدث لأخيه.. وقد انتقلنا الى السيد يوسف الذي كان أول الواصلين الى الوادي فأعلمنا بأنه نجح في انتشال جثة مروان ولكن بعد فوات الأوان لأنه كان قد فارق الحياة في حين ظلّ محمد أمين غارقا في قاع الوادي الى حين انتشله أعوان الحماية المدنية. لم تنفع تحذيراته انتقلنا الى منزل الغريق الثاني مروان البالغ من العمر 17 سنة وهو تلميذ بالسنة السابعة أساسي.. قدمنا التعازي لوالد الهالك وعائلته والسيد حمده خلفه والد مروان والبالغ من العمر 41 سنة يشتغل بمقاولات الدهن وأب ل3 بنات وولدين.. قد خصّنا بحديث مفاده أن إعلامه تمّ عن طريق الهاتف بعد أن فارق إبنه الحياة مؤكدا في هذا الصدد أنه لو كان موجودا لأنقذ إبنه وأنه لطالما حذّر الهالك من مغبة السباحة في الوادي. ... وفي النهاية استعاد محدثنا ثقته باللّه ليؤكد أن ما حدث قضاء وقدر لا أكثر ولا أقل. لم ينقطع السيد حمدة عن البكاء طيلة تحدثه إلينا مما أجبرنا على انهاء الحوار مكتفين بما أفادنا به وقد أفادنا أحد جيران الهالكين، أن هذه الحادثة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة فقد غرق أخوه في حادثة مماثلة منذ سنوات كما سجلنا غرق تلميذ بنفس الوادي في خاتمة السنة الدراسية المنقضية وبالتالي أصبح مؤكدا التصدّي لهذه الظاهرة بالحملات التوعوية وخاصة بالمدارس الابتدائية القريبة من الأدوية.