عاجل/ وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع هذه التحدّيات والتهديدات    محافظ البنك المركزي: تونس تطمح لأن تكون منصّة مالية جديدة على الصعيد الإقليمي والدولي    عاجل/ الحكومة تحدّد كمية المخزون التعديلي من الحليب الطازج المعقم    عاجل/ حصيلة الشهداء في غزّة تتجاوز ال65 ألف شهيد    عاجل/ وفاة المرأة التي أضرمت النار في جسدها داخل معهد ثانوي بهذ الجهة..    عاجل/ إحباط تهريب صفائح من ال"زطلة" بميناء حلق الوادي    عاجل: آخر سفن الأسطول المغاربي لكسر الحصار تغادر ميناء قمرت    تحويل جزئي لحركة المرور على مستوى مستشفي الحروق البليغة ببن عروس    نقابة الصيدليات: إيقاف التكفّل لا يشمل الأمراض المزمنة    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    105 حريقاً في يوم واحد: الحماية المدنية تكشف حصيلة تدخلاتها خلال 24 ساعة    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    عاجل : نقابة شركة الشحن والترصيف بميناء رادس تطلق ناقوس خطر    قابس: تخرج الدفعة الأولى من المهندسين بالمعهد العالي للاعلامية والملتيميديا    جريدة الزمن التونسي    عاجل/ تأجيل إضراب موزّعي الأدوية الى هذا الموعد..    صدمة في القلعة الكبرى: لدغة ''وشواشة'' تُدخل شابًا قسم الكلى    انهاء مهام هذا المسؤول بوزارة التربية.. #خبر_عاجل    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    الرابطة الأولى: إياد بالوافي يمدد عقده مع النادي الصفاقسي    عاجل: الإدارة الوطنية للتحكيم تجمّد حسام بولعراس مرة أخرى...علاش؟    الرابطة الأولى: تشكيلة مستقبل قابس في مواجهة النادي البنزرتي    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة مستقبل قابس    المقرونة: أصلها عربي و لا إيطالي؟ اكتشف الحكاية    عاجل..انقطاع الإنترنت والاتصالات وتحذير من توقف الخدمة الصحية في غزة..    وزارة التربية: زيادة عدد المدارس الابتدائية الخاصة    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    سفينة "لايف سابورت" الإيطالية تنضم لأسطول الصمود نحو غزة كمراقب وداعم طبي    اختفاء سباح روسي في مضيق : تفاصيل مؤلمة    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    البحر اليوم شديد الاضطراب في الشمال.. وياخذ وضعية خطيرة ببقية السواحل    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    وزير التجهيز والإسكان يؤكد على تفعيل الدور الرقابي للتفقدية العامة بالوزارة    الإحتلال يقصف مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    أمل جديد لمرضى القلب.. تشخيص مبكر ينقذ الحياة في دقائق    جريدة الزمن التونسي    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرّة قلم : في ذكرى الجلاء
نشر في الشروق يوم 13 - 10 - 2010

يومان وتحل ذكرى عزيزة على النفس متجذرة في الوجدان ذكرى تطهير الأرض التونسية من دنس الاستعمار بجلاء آخر جندي فرنسي عن الثغر الخالد مدينة بنزرت يوم 15 اكتوبر 1963.. ثلاثة أجيال على الاقل من شبابنا لم يعيشوا تلك الايام وكثيرون ربما يجهلون ما سبق ذلك بسنتين ونيف بل وبضع سنوات.. فتونس نالت استقلالها يوم 20 مارس 1956، لكن بقيت على أرضنا قوات فرنسية هنا وهناك وعين باريس على «الجزائر الفرنسية» وعلى المعمرين في اراضينا الخصبة، وكانت ثورة الجزائر العظيمة تعمد جبال الاوراس وكثبان الصحراء وإسفلت القصبات بدماء زكية طاهرة وتحولت ارضنا الى واحدة من أرأم القواعد الخلفية احتضانا لاشقائنا الثوار..ولم تتوقف دولة الاستقلال عن المطالبة بخروج العسكر الفرنسيين وحصلت مواجهات بعضها دام.. ولم تتوقف الحناجر عن المطالبة ب«الجلاء والسلاح». وفي الثامن من فيفري 1958 كان العدوان الغاشم على ساقية سيدي يوسف انتقاما من الالتحام بين الشعبين التونسي والجزائري ..خمس وعشرون طائرة حربية فرنسية ألقت قنابلها على القرية الآمنة في يوم سوق واستهدفت المدنيين فيه والاطفال في مدرسة القرية مخلفة تسعة وسبعين قتيلا من أبناء وبنات تونس والجزائر منهم عشرون طفلا وإحدى عشرة امرأة، ومائة وثلاثين جريحا، ودمارا شاملا.وشحنت النفوس وتعالت صرخات احرار العالم تدين الجريمة وقطعت تونس علاقاتها بفرنسا وأمرت قواتها بلزوم الثكنات والاستعداد للرحيل وكانت تلك البداية. في 3 جويلية 1958 غادرت القوات الفرنسية رمادة وجلت عن صفاقس بعد ثلاثة ايام وفي الحادي والعشرين من الشهر نفسه رحلت عن قفصة وبنهاية أوت من ذلك العام غادرت قابس ومدنين وبقية المدن إلا بنزرت.
وكان عام 1961 ..ثوار الجزائر كانوا على عتبة جني ثمار المواجهة بعد ست سنوات من الجمر والزعيم بورقيبة زار باريس وكرر المطالبة بالجلاء عن بنزرت لكن وفي اوائل جويلية بدا الجيش الفرنسي يوسع قواعده ويعزز منشآته في بنزرت (خاصة قاعدة سيدي احمد الجوية) غير عابئ بإرادة شعبنا الذي هب كرجل واحد يسير المظاهرات في كل مكان ويقيم السدود ويحفر الخنادق حول قاعدة سيدي احمد لمنع المحتلين من تنفيذ مخططاتهم.. واحتشد عشرات الالاف من المدنيين العزل حول بنزرت بداية من 8 جويلية وتأهب الجيش الوطني والحرس الوطني للمواجهة.. وكان العدوان.. قوة فرنسية عاتية في مواجهة قوات فتية وجماهير لا تحمل الا الايمان والاصرار على التضحية والفداء.. في التاسع عشر من جويلية بدأت فرنسا القصف بكل انواع الاسلحة بما فيها المحرم مثل قنابل النابالم وسقط المئات من الشهداء والجرحى وسجلت بطولات من قبل افراد الجيش والحرس والمتطوعين في شوارع بنزرت وأزقتها وأطرافها..وتحرك العالم وطالب مجلس الأمن الدولي يوم 22 جويلية بوقف العدوان ووصل الامين العام للامم المتحدة الى تونس في 25 من الشهر نفسه لمعالجة الوضع.. وانتخبت الجمعية العامة ممثل تونس المرحوم المنجي سليم رئيسا لدورتها الجديدة في سبتمبر.. وفي 18 سبتمبر حصل الاتفاق على سحب جميع القوات الفرنسية عن مدينة بنزرت لتعود إلى مراكز انطلاقها الأول دون قيد ولا شرط. وشرعت هذه القوات فعلا في الانسحاب حيث رفعت الأسلاك الشائكة وأقلعت بعض البوارج عائدة الى فرنسا.. ونالت الجزائر استقلالها وخرجت فرنسا مرغمة مدحورة من القطر الشقيق.. وفي 15 أكتوبر 1963 تم جلاء آخر جندي أجنبي عن بنزرت وعن أرض الوطن. وكان الجلاء العسكري تمهيدا لإزالة آخر آثار الاستعمار باسترجاع اراضي المعمرين (800 ألف هكتار في أخصب المناطق) يوم 12 ماي 1964 (ذكرى توقيع اتفاقية الحماية 12 ماي 1881).
منا من عاش تلك الحقبة ومنا من شارك في أطوارها واحداثها ومن هؤلاء من رحل لكن بقيت الذكرى وبقي التاريخ وبقيت تونس... انتصر الحق وانتصرت الارادة.. تطهرت الارض اذ تطهرت النفوس وغلبت العزيمة وحب الفداء ونكران الذات وعلت الهمم وترسخ في القلوب الايمان بالله وبالوطن وبالحرية و«لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم». حقق أسلافنا ما حققوه لأن نفوسهم كانت طاهرة وقلوبهم كانت عامرة ومنهم من قضى نحبه قرير العين ومنهم من ينتظر.. ووفاء لهذه الذكرى الخالدة ووفاء لهؤلاء ومن حقهم علينا ألا نبدل تبديلا... وحتى لا نبدل وجب علينا الا نترك للاستعمار مدخلا الى النفوس .. فهواية ما هو أجنبي نستورده أو نتقمصه دون دراية او استفادة من علم واخلاق تبديل.. والتنكر للاصالة تبديل... والاستقواء بالاجنبي على أبناء الوطن مهما كان الاختلاف في الرؤى والتوجه تبديل..وتجنب الصدق في العمل والمعاملة تبديل ..وعدم الغيرة على الارض والعرض تبديل.. ومن أحب تونس وجب عليه ان يستلهم هذه المعاني في هذه الذكرى حتى يكون الجلاء ليس مناسبة فقط نحتفل بها بل سيرة نظل بها شعبا قوي الارادة صعب المراس غيورا على حريته واصالته وايمانه وتظل بها تونس حرة منيعة أبد الدهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.