سيرة الروائي عبد الرحمان مجيد الربيعي (طبعة تونسية) صدرت في تونس من منشورات دار نقوش عربية الطبعة الجديدة (الثانية) من سيرة الروائي والقاص العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي «أية حياة هي؟» وتتصدرها مقتطفات من مقالات كتبها عنها أدباء ونقّاد من العراق وتونس والمغرب وهم: د. حاتم الصكر، د. جليلة الطريطر، د.عبد الله ابراهيم، د. محمد صابر عبيد، د. مصطفي الكيلاني، غادة السمّان، د. صلاح الدين بوجاه، عبد الجبار العش، محمد معتصم، د. زهور كرام، عبد الرحيم العلام، عبد الستّار ناصر. وعلى الغلاف الأخير مجتزأ من دراسة د. عبد الله ابراهيم عن هذه السيرة جاء فيه: السيرة الاستعادية الشائقة فيها من التفاصيل والجرأة ما يندر مثيله في الكتابة العربية، وتتخللها الفكاهة والسخرية، والرصد الدقيق لكل شيء بعين فاحصة. وتحاول، بطريقة غير مباشرة، أن تقهر العنف الذي شهده العراق خلال العقود اللاحقة، فالكتاب مملوء بالإشارات الكثيرة الى المصالحة المترسّخة في المجتمع العراقي بين الأعراق والطوائف والأديان. وصار موضوع الحنين الى الماضي جزءا من الأدب العراقي المعاصر الذي يرفع إشارة رفض ضد الفوضى المفتعلة التي تمر بها بلاد عرفت بانسجام جماعاتها الأساسية منذ فجر التاريخ. والتأجيج الطائفي والعرقي فيها مختلق يروّج له منتفعون لا يأخذون في الحسبان الروابط المتينة بين مكونات المجتمع العراقي، وكثير منهم وقعوا أسرى الوصفة الأمريكية الجاهزة، ومؤداها هشاشة التكوين الاجتماعي العراقي، والعداء المستفحل بين مكوناته الاجتماعية الكبرى. وكتاب الربيعي، شأن كتب أخرى تنتمي الى الذاكرة العراقية الحية، ينقض هذه الاختزالات المخلة، والمعيبة، والمنافية، للتاريخ والواقع. لقد افتعلت فوضى في العراق، وتبنّاها عراقيون من شذّاذ الآفاق لا ذاكرة لهم، ولا هوية وطنية، وبرهنت العقود الأخيرة، ومنها سنوات الاحتلال، أنهم تربوا وتعلموا في زوايا مظلمة، وأقبية معتمة، وبواد قاحلة، لم تتح لهم أبدا معرفة الحقائق الكبري في تاريخ هذه البلاد. وسيرة الربيعي التي كتبت بمنأى عن كل هذا، تضع بصمة شاهد عيان على مدى التنوع في فسيفساء بلاد الرافدين. ساعة الحقيقة الكتاب بل السيرة جاءت متفرّدة حيث ظهر عبد الرحمان مجيد الربيعي معلنا أن للنفاق الاجتماعي حدودا وأن ساعة الكشف حانت وإن كان الربيعي في رواياته قد بدأ هذه المهمة بشيء من الاحتشام إن جاز التعبير. وأزعم أني عرفت العراق من خلال هذه السيرة حيث حمل الربيعي معه الكاميرا ليسجل كل مناحي الحياة اليومية من مأكل وملبس ومسكن ومياه.. رصد الربيعي حياة القرى والمدن واستعان بذاكرته المدهشة ليقتنص أدقّ التفاصيل بأسلوب فيه من تقنيات السينما الكثير. وأكاد أسمح لنفسي بالسؤال التالي: هل كتب الربيعي أم صوّر ما رآه، سجّل كل شيء ولكن المنطلق كان حادثا قلب مجرى. نظرته.. نعم وفاة والدته طيفها كان حاضرا في كل ثنايا الكتاب وفي تضاريس كل النسوة اللواتي مررن في حياته، ولم يفت الربيعي أن يعرج على جوانب مهمة في حياته فهو الرسام والرياضي وكل هذه المواهب ألهمته في رواياته ليصرّح في ثنايا السيرة ببعض الأسماء الحقيقية من الذين غيّر أسماءهم. نبوغ الربيعي وتفوقه رساما انعكس على أعماله يرسم بريشة متفرّدة ويسجل بكاميرا ناقدا كل التفاصيل المهمة حتى أكاد أجزم أننا إزاء عمل سينمائي ولم تبق سوى الشاشة لتكتمل الفرجة الربيعي لم يعتمد أسلوب التداعي بل انتهج أسلوبا مراوغا يوهم فيه بالتدرّج الزمني وحين نسايره يعود بنا الى الوراء لا استطرادا وإنما للعودة الى بعض التفاصيل التي تعمد تجاهلها حتى يحين موعد الاشارة إليها لأن ذكرها قبل ذلك يرهق القارئ بكثرة التفاصيل، وهذا التقسيط هو جزء من الفعل السينمائي الربيعي يمارس المونتاج والتقطيع الفني في توازن قلّ أن يمتلكه كثير من المنتسبين الى السينما ذاتها.. في سيرة الربيعي تحبّ العراق.. تتعاطف مع أهله حيث الطيبة الغالبة تعيش مع الناس تأكل طعامهم تلبس لباسهم ويورطك الربيعي في هذا العالم فتعيش معه مغامراته النسائية وهذا الجانب احتلّ أجزاء مهمة في الكتاب جاءت مبثوثة هنا وهناك بأسلوب جمع بين الاغراء والتعرّي في جرأة نادرة مشفوعة بجرعات من السخرية الرفيعة التي لم يخل منها الكتاب الربيعي كشف في هذه السيرة مخزونه واحتياطي مشاهداته من عوالم متعددة أهلته كي يكتب بعمق عن أشياء عاشها وتوغل في تفاصيلها كانت له خير زاد. روح فكهة ولم تغب النكتة عن السيرة لتستهدف الجميع: النساء والأب والأقارب وبعض الأصدقاء الربيعي تعرض الى بعض الأشخاص بأسمائهم مثل ذلك اللاعب الموهوب الذي كان ترويض الكرة بمؤخرته وبطريقة فريدة ولا يستطيع المنافس أن يفتكها منه وعندما تصله الكرة يصيح الجمهور: «طيزك.. طيزك».. طالبين أن يروض الكرة بطريقته الفولكلورية، لكن أجمل ما في الأمر تعليق الربيعي الساخر: «ولا أدري هل ترويض الكرة بهذا الشكل يعتبر «فاول» أم لا؟؟ ممتعة فصول السيرة والمقارنات التي اعتمدها بين اللهجة التونسية ودلالات بعض مفرداتها التي تعني أشياء غير محبذة في تونس لكنها في العراق مستعملة وتؤدي معاني أخرى وممتعة لأنها راعت مجموعة من الاعتبارات أي الجمع بين السخرية ودقة التصوير مع الاستعانة بالمسكوت عنه. وهذه الخلطة التي وظفها الربيعي بامتياز أفضت الى سيرة مشوقة رغم اقتصاد صاحبها في التعرض الى بعض الجوانب السياسية وقد يكون تغاضى عنها حتى لا يشوش على الخط الذي ارتضاه وإن كان قد ركّز على وحدة المكون قبل أن يسقط العراق في هوة العمالة في المنطقة السوداء بعدما كانت خضراء.