نعتت بارض الصباح الهادئ أو الصباح المنعش وامتدت على اكثر بقليل من 220 ألف كيلومتر مربع. وتقول اسطورتهم ان أول من عمر الارض جدهم دانغون كان من نسل السماء، وتزوج أنثى دب تحولت الى فتاة حسناء وأورثهم القوة والصبر وأسس المملكة في 2333 قبل الميلاد وهاجر إليها اقوام من جنوب سيبيريا الوسطى. اللغة واحدة.. والديانات واحدة بوذية وكونفوشيوسية وغيرها.. تعاقبت عليها الممالك فوحدتها أو قسمتها وقامت فيها لفترة مملكة سميت مملكة النساك لايخرج منها الغريب اذا ما دخلها.. وتعاقبت عليها الغزوات وخضعت فترات لحكم الجارتين القويتين الصين واليابان.. انها كوريا أو شبه الجزيرة الكورية... وكان آخر من احتلها اليابانيون في عام 1910 واستعبدوا من رجالها خمسة ملايين وحولوا ربع مليون من نسائها الى سلعة وعن ذلك اعتذرت طوكيو في وقت قريب..انها كوريا هذه التي شدت انظار العالم منذ أيام وما زالت بعدما تبادل الاشقاء النار بدل الزيارات والقبلات. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابانيين شهدت شبه الجزيرة الكورية ما شهدته المانيا: التقسيم.. القوات الغربية سيطرت على الجزء الجنوبي والسوفيات استاثروا بالشمال وقامت دولتان واحدة في الشمال وعاصمتها بيونغ يانغ والثانية في الجنوب وعاصمتها سيول وعدد الشماليين حاليا 23 مليون نسمة وخمسون مليونا يعيشون في الشطر الجنوبي.الشمال انتهج سبيل الشيوعية ومازال متشبثا بها ورثها الرئيس الحالي كيم يونغ ايل عن والده مؤسس الدولة الشيوعية كيم ايل سونغ وسيورثها لنجله كيم يونغ أون الذي لم يبلغ بعد الثلاثين والذي منح اخيرا رتبة أعلى الجنرالات استعدادا لخلافة الوالد المريض... اما الجنوب فقد اختار النهج الرأسمالي وأصبح رابع نمر آسيوي ومن بين الدول العشرين الأكثر ثراء وتصنيعا في العالم... في عام 1950 وفيما انصرف اهتمام الروس إلى أوروبا وحلف وارسو حاولت كوريا الشمالية اعادة توحيد شبه الجزيرة بالقوة واندلعت حرب ضروس دامت ثلاث سنوات وكادت تفجر حربا نووية وتدخلت الصين مع الشماليين ونزلت أمريكا بثقلها تدافع عن الجنوب.. وسقط مئات الآلاف وانتهت الحرب بهدنة عام 53 ولم توقع اتفاقية سلام حتى الآن وأقيمت بين الدولتين منطقة عازلة عند الخط عرض 38 وصفت بأنها منزوعة السلاح فيما هي أكثر المناطق تسلحا في العالم اذ لأمريكا وحدها حوالي أربعين ألف جندي. انصرفت كوريا الجنوبية المتحالفة مع أمريكا إلى بناء القوة الاقتصادية من دون ان تنسى العسكر ولم تكترث كوريا الشمالية الشيوعية المتحالفة مع الصين بمشاكلها الاقتصادية وما حصل فيها من مجاعات خاصة في تسعينيات القرن الماضي وتحولت الى دولة نووية.. وسرعان ما صنفها الامريكي بوش ضمن « محور الشر» وجر معه بعض دول الغرب ليفرض عليها عقوبات زادت في الضيق الاقتصادي للبلد وفي كبرياء الكوريين الشماليين وردهم المتسم بالعنف. تفرق الاشقاء اذن مكرهين منذ اثنين وستين عاما وتشتت شمل عائلات وظلت أصوات ساستهم تتحدث دون كلل عن استعادة الوحدة وعمدت بيونغ يانغ الى الكثير من الاعمال «العدوانية» ضد الجنوب الرافض لوحدة بروليتارية.. حاول نظام الشمال اغتيال الرئيس الجنوبي عام 1968 ففشل فاعاد الكرة بعد ست سنوات وسقطت زوجة الرئيس ضحية.. عام 83 حاول الشماليون مرة أخرى اغتيال رئيس جنوبي آخر (ذلك ان نظام كوريا الشمالية ديمقراطي تعددي) عندما كان زائرا لبورما فنجا الرئيس وقتل اربعة من وزرائه. بعد أربع سنوات أخرى اسقطت طائرة ركاب مدنية جنوبية وقتل ركابها ال115..وانهار المعسكر الشرقي في التسعينات وأعيد توحيد المانيا لكن كوريا ظلت على حالها وتكررت الاشتباكات بين شطريها خاصة في عرض البحر وأيضا عبر الحدود خاصة بعد رحيل رئيس كوري جنوبي سعى الى التقارب والى الوحدة بالتراضي. وقويت شوكة كوريا الشمالية عسكريا وقد أصبحت لها أنياب نووية وأصبحت تساوم بقنابلها في مفأوضات سداسية جمعتها مع شقيقتها الجنوبية وجاراتها الصين وروسيا واليابان والحليفة الرئيسية لسيول أو سول أي الولاياتالمتحدة: النفط مقابل وقف التخصيب، القمح نظير وقف التجارب وهكذا.. وياتي التصعيد الحالي ويتساءل المراقبون لماذا؟ ويجتهد المحللون لمعرفة الدافع والأسباب. قالوا ان كوريا الشمالية تريد ان تكون في مقدمة اهتمامات السياسة الأمريكية للرئيس أوباما بعدما توقفت المفأوضات السداسية منذ سنة. وقالوا ان بيونغ يانغ تريد التأكيد على استمرار سياستها وهي تستعد للخليفة الجديد الجنرال المتوج حديثا كيم يونغ أون.. تصعيد لا يتوقع أحد ان يتحول الى مواجهة شاملة رغم حدة التهديدات لأن لا أحد يرغب في ذلك.. قد تظل السيوف في اغمادها لكن الصباح الهادئ ستظل تعكره الأعصاب المشدودة الهادرة.