بعيدا عن المفهوم الديني للفظ «الشارع» فإننا نعني الطريق والحي والساحة والأماكن العامة التي يرتادها الناس لقضاء مختلف شؤونهم وحاجاتهم ومصالحهم مختارين أو مضطرين ونقصد كذلك حتى المنزل وقاعة الجلوس. ولا نقصد بثقافة الشارع ما صرنا نسمعه من كلمات وعبارات مستجدة ونغمات ونبرات لا يمكن وصفها بما يسعه قاموسي اللغوي الفصيح والدارج من مثل: مخجلة، بليدة، ركيكة، قذرة، سمجة، منحطة جارحة «وتحشم» تفدد «تجنن» وغيرها من قائمة النعوت الحقيقية والمجازية. كلمات صريحة في سياقات متجانسة تحتفي بالمستور والمغمور والموتور من أعضاء البدن وخلاياه الى خلجات الفكر والروح مع اختلاف المصدر جنسا وسنا وشكلا وهيئة ومكانا ومنزلة وحتى بعض أجهزة الإعلام التي تفرض مآسيها في بيوتنا انك تسمع أو تسمع ولكنك لا تتكلم واياك أن تفعل وقد لا تكون المغني ولكنك معني بالضرورة. قد تكون فردا كائنا من كنت أو مع أحد أفراد أسرتك أو أصدقائك فلا شيء يتغير فاسمع وكفى. كما لا نقصد ما صار يشاهد لا من أنواع اللباس العاري أو العري اللابس أو الرجولة الأنثوية أو الأنثوية المسترجلة ولا ما نعاين من سرقة ونشل وخطف واعتداءات بالعنف المادي باستعمال مختلف الآلات والمعدات والأسلحة والوسائل يستغيث المستهدف والضحية ولا من مغيث الا الخضوع والخنوع أو سيارة الاسعاف ان لزم الأمر وبعد لأي وكذلك هروب المشاهدين. ولا نقصد أيضا ما نقرؤه مرسوما على اللافتات الاشهارية ووسائل النقل العامة وواجهات المتاجر والمباني من تسميات لبضائع غير ضرورية فلو كانت كذلك لما وقع اشهارها ولكنها مضرة بثقافات المواطن في الأكل والاقتصاد ونمط العيش وتربية النشء في فجاجة لغتها أو لهجتها أو وصفها و«تربيجتها» بما يحطم كل قواعد اللغة أو اللغات ويشكك في ما بتلقاه القارئ بالمدارس والمعاهد وما سمعناه من قوانين وتوصيات للجامعة العربية الجامعة للكلمات. واننا لا نقصد ما أصبحنا نفقده من عروض ثقافية مختلفة من مسرح وسينما وموسيقى وأدب ورسم.... في غياب أو انحصار دورها وكمها وكيفها وذوقها وروقها اضافة الى تشوه الواجهات التي انسلخ طلاؤها وتهرأت ألواح أبوابها ونوافذها وتثاءبت حيطانها وشرفت شرفاتها واكتظت أركانها وانحسرت أرصفتها المحفرة وتكدست أو تناثرت مرمياتها وتحول الجلوس في مقاهيها الى مغامرة ومقامرة ومسافلة ومغافلة وارتكاز وابتزاز... لا نقصد تماما ما نتعرض اليه من تعسف السيارات وألفاظ سواقها ولو كنا على الرصيف ومن ممارسات المترجلين ان كنا راكبين ومضايقات هؤلاء وأولئك ان كنا منهم أو ما نتعرض له من خداع وغش وغلاء واستبلاه لدى أصناف مستشرية ومستكرشة من الباعة وأصحاب المهن والصناعات ومما كاد يصير عاديا من ابتزازات الموظفين مالا وحالا وعرضا وفرضا وقوتا ووقتا. لم نقصد أبدا ما صرنا نتعذب به من هذا وذاك وغيرهما ومما كاد ينسينا ذواتنا وأصالتنا ووطنيتنا وانسانيتنا وديننا ويقصينا عن علاقاتنا الأسرية والبشرية وحتى عن ذواتنا. انما نقصد وبكل بساطة بثقافة الشارع ما يجب أن يكون قد حصل لدينا من قناعة بعدم الخروج تماما الى الشارع وان كان من الحتمي فعل ذلك فلا بد من تناسي كل ما تعلمنا من أخلاق ومثل وتعويضه بزاد لا ينفد من الصبر والاصطبار والاستعداد الدائم لفقد أجزاء منا علينا أن نحرص ألا تكون أثمن ما لدينا وقولوا معي: الله يهدي.