يبدو أن الوقت قد حان لاستبدال تسمية الوسيط الأمريكي في مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.. لتتحول هذه التسمية من «الوسيط النزيه» إلى «النزيه السفسطائي».. وليتحول المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط إلى «بهلوان» قادر على إيتاء كل الحركات والانقلابات.. وان كانت عشوائية وتفتقر إلى المنطق والانسجام والجمالية.. المهم ان يملأ الساحة ويشد أنظار الجمهور.. فلقد ظل الدور الأمريكي في مسار المفاوضات المحتضر أو لنقل المحكوم عليه بالموت بسبب تصلب وغطرسة إسرائيل وانحياز الإدارة الأمريكية، يتقلص من جولة مفاوضات إلى أخرى.. ليتحول إلى لعبة رتيبة وممجوجة ومعروفة النتائج سلفا.. ففي كل مرة تنزل إسرائيل بسقف الحقوق والمطالب الفلسطينية عملا بنظرية «التدويخ السياسي» المشهورة.. وفي كل مرة «تجتهد» الديبلوماسية الأمريكية في الضغط على الطرف الفلسطيني لاجباره على التحول إلى المربع الذي ينتظره فيه الجزار الصهيوني.. إلى أن بات مجرّد الحصول على تجميد مؤقت للاستيطان الذي يجري على أراض محتلة وفي خرق فاضح لقرارات الشرعية الدولية «مكسبا» تعرض من أجله الإدارة الأمريكية الهدايا والاغراءات.. ولتكتمل المسرحية فإن الكيان الصهيوني يرفض هذه الهدايا والاغراءات لتعلن أمريكا عجزها أمام طفلها أو حليفها المدلل.. وتلتفت مجددا إلى الطرف الفلسطيني من خلال التصريح بأن مجرد تجميد (وليس وقف) الاستيطان ليس شرطا لاستئناف المفاوضات.. وتبلغ المفارقة ذروتها حين تدعو وزيرة الخارجية الأمريكية إلى النطّ على هذه المسألة واطلاق التفاوض حول قضايا الحل النهائي.. ولنا أن نسأل هنا: إذا كانت الإدارة الأمريكية عجزت رغم هداياها واغراءاتها عن جرّ حليفها الاستراتيجي إلى تجميد مؤقت للاستيطان، فكيف يكون الأمر حين نقف أمام استحقاقات الحل النهائي ومؤداها الجلاء الكامل عن الأراضي المحتلة وفق القرار 242 بما يضمن قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967 وعاصمتها القدس الشريف مع تأمين حق العودة؟ وقبل هذا، إذا قبل الطرف الفلسطيني ب«تتفيه» الاستيطان وهو من يقضم الأرض ويغيّر طبيعتها بغية تهويدها ورسم الحل النهائي بواسطة غطرسة القوة، فعن أي قضايا نهائية يمكن أن يجري التفاوض والأرض هي أساس الصراع؟ هل تخطط الإدارة الأمريكية إلى إنشاء دولة فلسطينية في «أوغندا» أو في «كندا» مثلا؟ أم ان المسألة تتعلق فقط بالالتزام بطقوس البهلوان المجبول على القفز والنط لاضحاك الحضور.. حتى وإن بانت عورته؟