تتقدم التجارة الالكترونية في تونس بخطى وئيدة، وفي المقابل تظهر عشرات المواقع والصفحات على شبكة الانترنيت التي تكشف عن نجاح المئات وربما الآلاف من التونسيين وخصوصا من الشباب في استغلال الشبكة لتحقيق مرابيح قد لا تكون مهمة، لكنها علامة على تحقيق الاستفادة المباشرة وعلى ظهور جيل جديد من التونسيين الذين نجحوا في اختراق شبكة الشبكات. على أحد أشهر مواقع البيع والمزايدة على شبكة الانترنيت، يمكن العثور على عدة إعلانات تونسية، يعرض ناشروها أشياء لا تخطر على البال لطرافتها: من العلم الوطني إلى العملات المعدنية والورقية والطوابع البريدية والبطاقات والصور القديمة وصولا إلى الشيشة والمشموم التونسي والمصنوعات الفضية والملابس التقليدية والحلويات التونسية التي تحتمل الإرسال بالبريد إلى أي مكان في العالم. وفي مواقع أخرى عديدة يمكن العثور على إعلانات لتونسيين يبحثون عن شراكة في مشاريع تبدو مغرية ولا ينقصها سوى التمويل بالأورو لتدر مرابيح خيالية تمكن من مضاعفة رأس المال سنويا. وفي مواقع أخرى، تنشر مئات الإعلانات عن بيوت مؤثثة للإيجار على حافة البحر، وخدمات متنوعة موجهة إلى السياح الأجانب يمكنهم حجزها قبل قدومهم إلى تونس، أراض وعقارات للبيع في كل جهات البلاد من الواضح أنها موجهة أساسا إلى التونسيين بالخارج. أغلب هذه الإعلانات وراءها معلنون يقيمون في تونس، بالنظر إلى أرقام الهاتف التي يتركونها أحيانا، لكن «دهاء» هؤلاء المعلنين يجعلهم يكتفون أحيانا بالعنوان الالكتروني الذي لا يترك أثرا عن هوية المعلن أو مكانه. لكن من يكون هؤلاء ؟ وكيف تصل إليهم الأموال إذا تمت عمليات البيع وهم في تونس ؟ مشموم وعملة صعبة أحد أطرف هؤلاء المعلنين، شاب تونسي عمره عشرون عاما، يروي لنا كيف نجح في ترويج كميات هامة من مشموم الفل التونسي عبر شبكة الانترنيت إثر إعلان مجاني على موقع مخصص للعرب في فرنسا يعرض فيه إمكانية إعداد المشموم وإرساله عبر البريد إلى أي مكان في فرنسا. وبعد مدة اتصل به فرنسي من أصل تونسي يشرف على مقهى في باريس قبل شهر رمضان فاتفقا على جمع المشموم وإعداده على الطريقة التونسية وإرساله معلبا إلى فرنسا. يضيف هذا الشاب إن هذا المشموم الذي لا تزيد كلفته عن نصف دينار في تونس، كان يلقى إقبالا كبيرا لدى التونسيين والعرب في فرنسا مقابل 2 أورو للباقة الصغيرة، أي حوالي ستة أضعاف ثمنه في تونس. لا يحب هذا الشاب الحديث عن التفاصيل المالية لهذه المغامرة، «من السهل جدا تلقي الأموال في تونس على حساب بريدي أو بنكي أو حتى بالحوالات البريدية»، يقول قبل أن يضيف: «المشكل الوحيد هو في فتح حسابات مالية بالعملة الصعبة، هذا معقد جدا في تونس». في المقابل، تظهر مواقع انترنيت لشباب تونسيين ينشطون في مجالات تلامس الممنوع، مثل عرض الموسيقى والأفلام والألعاب للتحميل مجانا أو شفرات فك الألعاب والقنوات الفضائية، أو بمقابل رمزي بعدة طرق للدفع الالكتروني الآمن. أما أصحاب إعلانات البيع والكراء فهم يتفقون مع الحريف للدفع في تونس، فيما حدثنا شاب آخر عن طرق مبتكرة للبيع عبر الشبكة وذلك بالاتفاق مع صديق أو قريب مقيم بالخارج لتلقي الأموال في حسابه ثم إرسالها إلى صاحبها في تونس، «يجب أن يكون صاحبك فعلا، حتى لا يغدر بك» يقول موضحا. مجانا لا أحد يعرف حجم هذه التجارة، ولا عدد المستفيدين منها، لاستعصائها على الإحصاء. من الواضح أنها لا تنافس المؤسسات الكبيرة، لكن أيا كان شكل هذه الظاهرة أي مواقع قارة أو صفحات أو مجرد إعلانات فيمكن اعتبارها علامة واضحة على تحقيق الاستفادة من الشبكة. والمشكل أن العديد من هذه المشاريع الافتراضية يوجد خارج البلاد أي أنه يتم إيواؤها في موزعات في الهند وأوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي تشتهر بتوفير موزعات ذات كلفة رمزية ولا تفرض شروطا على المحتوى أصلا. ويقول لنا مهندس مختص في تصميم المواقع بمؤسسة خاصة إن باعثي هذه المواقع يدركون جيدا أن مصدر الدخل ليس في الخدمات مدفوعة الأجر وأن وضع أي شكل من أشكال الشروط على المبحرين هو ضار تماما بها، لذلك فإن كل شيء فيها مجاني. كما أن أغلب هذه المواقع يغلق عينيه على حقوق مؤلفي الموسيقى والفيديو والألعاب وغيرها، «المهم هو وضع أكبر عدد ممكن من هذه المحتويات مجانا لجلب أكبر عدد ممكن من الأشخاص». لأن تحقيق عدد كبير من الزوار والمنخرطين، يثير انتباه المعلنين الذين يملكون وسائل علمية للتحقق من شعبية أي موقع، ويتصلون بأصحابه لعرض إعلاناتهم التي تصبح ذات قيمة مالية كبيرة بالنظر إلى التكاليف الرمزية التي يدفعها أصحاب هذه المواقع. مثال نجاح يضيف مهندس تصميم المواقع إن الإعلانات تظل المصدر الرئيسي لأصحاب مثل هذه المواقع سواء كانت في تونس أو خارجها، مثل موقع صممه شاب تونسي صغير منذ عام 2000 دون أن تقف وراءه مؤسسة أو قوة مالية، وسريعا ما أصبح أحد أشهر مواقع الإعلانات المجانية في تونس حتى أنه حقق استعراض مليونين و357 ألف صفحة عند شهر أكتوبر الماضي. وعندما تحقق المعلنون من شعبيته قبل عدة أعوام، حصل هذا الموقع على كمية كبيرة من الإعلانات لم تحصل عليها مواقع شهيرة تقف وراءها مؤسسات قوية. ومن الناحية التقنية، يمكن معرفة عدد زوار أي موقع وأصولهم، مما يمكن أصحاب المواقع الناجحة من استدراج أصحاب الإعلانات بصيغ مختلفة. يزداد عدد المواقع التجارية التونسية تدريجيا وإن كان بخطى وئيدة، فيما لا يعترف أصحاب المبادرات الخاصة بهذا النسق، وخصوصا الشباب الذين يعولون على المعرفة التقنية والقدرة على التجديد في التقدم، رغم أن هذا التقدم يحدث أحيانا في الاتجاه المخالف للقانون، مثلما حدث لعدد من الشباب التونسيين الذين تورطوا في تجارة أرقام البطاقات البنكية عبر العالم لسرقة المال من حسابات أصحابها. ٭ ك. الشارني الدولة تدعم وضعت الدولة عدة برامج لدعم التجارة الالكترونية منها برنامج فوبرودكس الذي يمكن من منحة تصل إلى 50 بالمائة من كلفة تصميم موقع ويب. يوجد حاليا في تونس 320 موقع ويب ذي صبغة تجارية، لكن أغلبها يخص الخدمات المالية التي تقف الدولة أو مصالح الخدمات العامة وراءها مثل خلاص الفواتير، التصريح الجبائي، الشحن الالكتروني، خدمات الديوان الوطني للبريد (باقات ورود، الطوابع البريدية، حوالات بريدية، تحويلات مالية)، خدمات التسجيل عن بعد، الاشتراكات المدرسية... غير أن التجارة الالكترونية ما تزال المشاريع الخاصة صغيرة العدد والحجم في تونس، فيما يقول مختص في تصميم مثل هذه المواقع، إن قطاع البيع عن بعد في تونس سوف يتحرك مع تحرير الدينار وانتشار البطاقات البنكية الذكية واعتماد طرق الدفع المؤمن بالتزامن مع الطريقة الحالية التي تقوم على بطاقة الدينار الالكتروني.