زغوان: انتفاع 160 فلاحا بقروض موسمية بقيمة 4.5 ملايين دينار لتمويل موسم الزراعات الكبرى    عاجل -إسبانيا : إجلاء أكثر من ألف شخص واتهامات بإشعال متعمّد    بطولة العالم للكرة الطائرة للاناث (اقل من 21 عاما): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره البرازيلي 0-3    بنزرت: وفاة شخص وإصابة آخر في حادث انقلاب آلة "تراكس" بمنطقة البحيرة ببنزرت الشمالية    الطبوبي يجدّد الدعوة إلى الحوار.. #خبر_عاجل    النادي الإفريقي: بسام الصرارفي يلتحق بالمجموعة    المرأة التونسية الأولى إفريقيا وعربيا في مجال البحث العلمي ب 55.1 %    "جرانتي العزيزة": عرض الوداع والوصية الفنية لفاضل الجزيري من ركح مهرجان الحمامات الدولي    عاجل: وزارة الدفاع تكشف رزنامة التجنيد الجديدة.. هذه مراكز التسجيل!    نقابة الصحفيين تدين اغتيال الطاقم الإعلامي لقناة الجزيرة في غزة    اليوم: انطلاق دورة إعادة التوجيه الجامعي..    عاجل/ حادث مرور قاتل ببنزرت وهذه التفاصيل..    تحذير هام من "مياه الشاحنات".. #خبر_عاجل    عاجل/ وزارة الصحة تحسم الجدل وتوضح بخصوص ما تم تداوله حول فيروس " Chikungunya "    موجة الحر تزيد في الأمراض المعدية.. شنيا هي الأمراض وفما نصائح لازم تعرفها!    إطلاق مشروع "تعزيز نفاذ الشباب من الفئات الهشة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والصحة النفسية"    تألق في كل لحظة: أوبو تعلن عن هاتف Reno14 F 5G الجديد مع تصوير الفلاش بالذكاء الاصطناعي وتصميم حورية البحر المتلألئ    عاجل/ بشرى سارة للعاطلين عن العمل: حوالي 100 ألف موطن شغل سيوفرها هذا القطاع..    عاجل/ استشهاد طفل باستهداف الاحتلال منتظري المساعدات وسط قطاع غزة..    الدكاترة المعطلون عن العمل: مستعدون للتصعيد في صورة عدم الاستجابة لمطالبنا    عاجل: برشة عقوبات بالسجن والغرامة في اقتراح قانون حماية الحيوان    ريال مدريد يكشف عن طبيعة إصابة نجم الفريق    رسميا: إنتخاب أحمد الثابتي رئيسا للجامعة التونسية للكاراتي    رد بالك '' تكنجل'' هذه الاطعمة في ''الفريجيدار ''    5 غلطات في شرب ''التاي'' تخليك تضر صحتك بلا ما تحس!    تونس تشارك في بطولة إفريقيا لرفع الأثقال للأواسط والأصاغر في غانا بتسعة رباعين    المخرج التونسي الفاضل الجزيري في ذمة الله    تونس تودّع فاضل الجزيري، عملاق الساحة الثقافية، عن عمر ناهز 77 عامًا    عاجل: زلزال قوي بقوة 6.2 درجات يضرب هذه البلاد العربية    ماهر السرولي يخلف نفسه على رأس الجامعة التونسية للرياضات الالكترونية    وزارة الثقافة تنعى الفنان المبدع الفاضل الجزيري    تجربة سريرية تثبت فعالية دواء جديد في مكافحة سرطان الرئة    نجوى كرم تحطم الأرقام في قرطاج وتكتب فصلاً ذهبياً جديداً مع الجمهور التونسي    عاجل: وفاة صاحب''الحضرة'' الفاضل الجزيري بعد صراع مع المرض    عاجل/ دولة جديدة تقرر الاعتراف بدولة فلسطين خلال هذا الموعد..    فوربس الشرق الأوسط تكشف عن قائمة أبرز 100 شخصية في قطاع السفر والسياحة لعام 2025    اليوم الحرارة مستحبة والطقس رائع جدا أثناء الليل..    خزندار: الإطاحة بمنحرف خطير محل 6 مناشير تفتيش    برشلونة يفوز على كومو بخماسية ويحرز كأس خوان غامبر    نابل: انطلاق فعاليات الدورة 63 من مهرجان العنب بقرمبالية    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة الافتتاحية-الدفعة الثانية والاخيرة): النتائج و الترتيب    مرصد سلامة المرور: 458 قتيلا بسبب حوادث الطرقات خلال النصف الأول من 2025    قتله جيش الإحتلال.. الصحفي أنس الشريف يترك وصية مؤثرة عن حياته وعائلته وغزة    دراسة ليبية تحذر من بكتيريا خطيرة في المنتجات البحرية    استراحة صيفية    تاريخ الخيانات السياسية (42) .. ظهور القرامطة    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    للطلبة الراغبين في تعديل اختياراتهم الجامعية: دورة إعادة التوجيه تبدأ غدًا    سابقة خطيرة في قطر على مستوى الأمن الداخلي للدولة    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    كلب ''روكي'' يفارق الحياة بعد اعتداء همجي في زاوية سوسة، والنيابة تبدأ تحقيق    إطلاق الدورة الأولى لمسابقة "Cactus INNOV " لاختيار أفضل الابتكارات في تثمين التين الشوكي    الأحد.. طقس صاف مع بعض الأمطار المحلية    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    نجوى كرم تُشعل قرطاج بعد غياب تسع سنوات: ليلة حنين وأغانٍ خالدة أمام جمهور غصّت به المدارج    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلام في الثقافة: معادلة الصنعة والصناعة
نشر في الشروق يوم 24 - 12 - 2010

ستبلغ ميزانية وزارة الثقافة في سنة 2014 واحدا فاصل خمسة بالمائة (1.5٪) من ميزانية الدولة، وهي نسبة لم يكن يتصورها أحد في الماضي البعيد والقريب لا من أهل الثقافة ولا من رجال الاقتصاد خاصة هؤلاء مما يعطي لهذا الترفيع الملفت بعدا استراتيجيا يجعل من الثقافة نهائيا عنصرا أساسيا في عملية التنمية الوطنية.
ولست أعلم شخصيا كثيرا من دول العالم من رصد مثل هذه النسبة للثقافة لا في الشرق ولا في الغرب، اللّهم إذا استثنينا بلدان المعسكر الشيوعي قبل الانهيار الكبير في بداية التسعينات من القرن الماضي حين كانت الثقافة توظف لمآرب أخرى غير تحرير الإنسان ضميرا وفكرا، ولكن للدعاية و«البروباقندة» السياسية وإلهاء الناس عمّا يهمهم حسب العبارة الشهيرة للفرنسي فاليري(٭) والترفيع في ميزانيات الثقافة كان وسيبقى مطلبا دائما وملحّا لا سيما في البلدان ذات الثقافات والتقاليد المركزية والتي يكون القرار فيها لأصحاب السلطة الإدارية والمالية الذين كثيرا ما تكون نظرتهم للثقافة لا تخلو من الشكّ أو الاستخفاف أو حتى الازدراء.
خُذ لك مثلا فرنسا هذا البلد الذي يتباهى بكونه منارة الثقافة والفنون في أوروبا. فلقد كان حلم المثقفين الفرنسيين منذ ميلاد الجمهورية الخامسة سنة 1959 وبعث أول وزارة للثقافة كان حلمهم أن تصل ميزانية الثقافة إلى واحد بالمائة من الميزانية العامة. ولم يتحقق هذا الحلم إلا بوصول الاشتراكيين إلى سدّة الحكم سنة 1981، فاعتبر هذا الانجاز ثورة وبلوغا لأفق جديد لا يمكن تجاوزه.
٭ ٭ ٭
وحتى نعي أكثر قيمة هذا الترفيع المزمع لنصيب الثقافة في بلادنا لعلّه يجدر بنا أن نذكّر أن الدور المنوط بها منذ عشرين سنة أو يزيد هو أن تكون هذه الثقافة سندا للتغيير. وليس في معنى هذا الدور ما قد يوحي بتجنيد أهل الثقافة والابداع للتطبيل والمباركة والتزمير، بل هي دعوة صريحة لأن يتحمّل كل ذي عبقرية مسؤوليته في الاسهام بجلاء وحرية في بناء المشروع المجتمعي وتحقيق أهدافه.
لكن البلوغ بميزانية الثقافة إلى المستوى المعلن في حدود سنة 2014 يغيّر طبيعة دور الثقافة والمثقف من المساندة إلى المشاركة، وهو تحوّل ستكون له تأثيرات عميقة ستبدل لا محالة علاقة الثقافة بالاقتصاد فلا تكون تلك عبءا على هذا ولا يرى هذا في تلك مفترسة للأموال العمومية بلا جدوى تذكر أو مقابل بعض التظاهرات التي تُدرج في باب التسلية والترفيه والترف.
إن ترفيع ميزانية الثقافة إنما ينصهر ضمن نظرة مستقبلية تأخذ في الاعتبار التحوّلات العالمية وما أفرزته من مقتضيات جديدة أهمها إطلاقا التحكم في الاقتصاد اللامادي الذي تشكل الثقافة الجزء الأساسي فيه كشرط أساسي لتحقيق معادلة تواصل الاستقلالية والاندراج الايجابي في العولمة. وهي نظرة ستحدث تحوّلا عميقا في مفهوم العمل الثقافي وممارسته، فتصبح الثقافة مصدر انتاج وتمويل لا مجرّد مستهلك للأموال العمومية.
٭ ٭ ٭
إن تحميل الثقافة مسؤولية المشارك الاقتصادي تشرّعها وتفرضها في ذات الوقت هذه الزيادة المتواصلة والمتأكدة لميزانية الوزارة ذات النظر تدعمها إرادة سياسية واضحة. وتجد هذه المسؤولية الجديدة للثقافة مبرراتها في التحولات الاجتماعية التي أفرزت ترتيبات لمجالات التفكير والعمل. وسنكتفي هنا بذكر مجالات ثلاثة:
أولها مجال التشغيل الذي أصبحت الثقافة فاعلا مهما فيه تستهوي الشباب بما توفره من فرص العمل المتزايدة في ميادين الانتاج السمعي والمرئي التقليدي منه أو المستحدث مثل البرمجيات الاعلامية وغير ذلك من الوظائف المختلفة سواء المتعلقة منها بالابداع أو التنشيط أو التوزيع.
أما المجال الثاني فهو على قيمة عالية لأنه يتصل بقدرة الابتكار والتجديد الذي تقوم فيه الثقافة بدور المخبر الذي تتشكل في إطاره العلاقات الاجتماعية الجديدة، وتتصور داخله ملامح مواطن الغد. وقد يجدر بنا هنا أن نستحضر برامج المحطات الاذاعية الخاصة الجديدة التي ربما أصبحت تقوم بهذا الدور المخبري لتحدّد مواصفات مواطن الغد بلغته المستحدثة وتعابيره الخصوصية ورؤيته للمستقبل ونظرته للعلاقات الاجتماعية في غليانها وصيرورتها.
ويتعلق المجال الثالث بالتنمية المحلية الذي تكون فيه الثقافة عنصرا فاعلا لتنشيط الحياة محليا وضمان التوازن الجهوي وهي وظيفة أساسية ضمن سياسة تنموية تروم العدالة الاجتماعية لا سيما زمن الأزمات الاقتصادية.
٭ ٭ ٭
لكن إضطلاع الثقافة بدورها كعنصر إنتاج وإنماء يبقى رهين توفّر الصناعات الثقافية التي أصبح تنظيمها وتطويرها مهمة ملحة وذات أولوية في ظل التطورات التي يشهدها الهرم العمري للتونسيين وارتفاع مستوى عيشهم وأسباب أخرى داخلية وخارجية لا يسع هذا العمود تعدادها وكلها تجعل من الثقافة والترفيه اليوم حاجة أساسية في حياة المواطن وتضمّ الصناعات الثقافية ميادين الأنشطة الابداعية ذات التصنيع القوي مثل الاشهار والتسويق والانتاج الاذاعي وصناعة الأفلام بأنواعها، وكذلك الموسيقى والنشر وكلها ميادين تصرف فيها أموال هامة وتدرّ ربحا وفيرا، لكن الصناعات الثقافية تشمل ميادين أخرى عديدة تقليدية مثل الفنون المرئية من رسم ونحت والفنون الفرجوية من مسرح ورقص وحفلات استعراضية وغير ذلك من الانتاجات الابداعية التي تحتاج هياكل وبنى متطورة بالقدر والقيمة التي تفرضها لعبة العرض والطلب وتتسع الصناعات الثقافية إلى الصناعات التقليدية والسياحة الثقافية والهندسة المعمارية وتجمع بين الابداع والانتاج والتوزيع للخيرات والخدمات اللامادية.
ولم يعد يخفى على أحد في عالمنا اليوم ما أصبح للصناعات الثقافية من أهمية في تقوية البناء الحضاري الوطني بما يمكنه من الصمود أمام التيارات والظواهر.
٭ ٭ ٭
إن المتتبع للحياة الثقافية لا يغيب عنه أن يلحظ ما أصبح يميّز العمل الثقافي من حيوية وما يحدو الشباب خصوصا من رغبة في الاقبال على الانتاج الثقافي على الأقل المتوفر منه والذي غالبا ما يكون على قيمة فكرية وفنية متواضعة. لكن البارز للعيان كذلك هو غياب الرؤية التي تأخذ أحيانا شكل فوضى صريحة كلما تعلق الأمر بالتشاريع والحوافز التي تنظم الصناعات الثقافية وتستنهضها، وقد لا يقف الأمر عند غياب التشاريع أو تخلفها عن التطورات الحاصلة في مختلف ميادين الصناعات الثقافية أو قلة مقروئيتها، بل يتعداها إلى غياب مهن ثقافية كثيرة ثقافتنا اليوم في أشد الحاجة إليها مثل المهندسين الثقافيين والمقتصدين الثقافيين والمختصين في القوانين الثقافية وغير ذلك من أهل الاختصاص في مهن لن يكون لنا غنى عنها وقد رمنا النهوض بثقافتنا وأردنا لها الدور الفاعل ضمن مشروعنا التنموي الحضاري بما وفرنا لها من امكانات وما أصدقنا لها من عزم.
لكن.. إذا كان لا بدّ للثقافة من صناعة فلا مناص للصناعيين الثقافيين من صنعة والصنعة تحتاج التكوين والتخطيط والبرمجة والكفاءة.
لقائل أن يقول أليست لنا معاهد للمسرح والموسيقى والفنون الجميلة، ولنا أساتذة وطلاب.. فلماذا مسرحنا غائب وموسيقانا رديئة وفنوننا لا جمال فيها؟
هذا موضوع آخر وحديثنا متصل..
٭ ينسب إلى بول فاليري Paul Valery الشاعر والفيلسوف الفرنسي هذه القولة الطريفة: «السياسة هي فنّ منع الشعوب من الاهتمام بما يعنيها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.